نال الفنان المعلم نشأت الزعبي جائزة الدولة التقديرية لعام 2021 عن فئة الفنون، إلى جانب الباحث الدكتور عيد مرعي عن فئة الدراسات والترجمة، والكاتب والروائي محمد أبو معتوق عن فئة الآداب. والتاريخ العلمي والإبداعي للأسماء الثلاثة يمنح الجائزة مصداقية إضافية.
من الجانب التشكيلي لا يبدو حصول المعلم الزعبي على الجائزة مفاجئاً بحكم التقدير الواسع الذي يتمتع به – وتجربته – في الوسط الثقافي، والتشكيلي خاصة. وقد تم التعبير عن هذا بأكثر من احتفالية خاصة وعامة. ففي الخطوة الثانية لمبادرة (الحب ليس كلمة) استضافت صالة مصطفى علي في دمشق القديمة ربيع عام 2019، وعلى مدى يومين، احتفالية خاصة لتكريم الفنان المعلم نشأت الزعبي قام بتصميم البوستر الخاص بها الفنان إحسان عنتابي وتضمنت معرضاً شارك فيه عشرة من التشكيليين، وندوة وحوار مع الفنان وعرض فيلم عنه. وقبل ذلك بعامين (خريف 2017) أقام المركز الثقافي العربي بدمشق (أبو رمانة) ندوة تكريمية بعنوان (تحية للفنان التشكيلي نشأت الزعبي) شارك فيها الفنانون التشكيليون: د.محمد غنوم ود.عبد الكريم فرج و موفق مخول وشاركهم الحديث عدد كبير الفنانين الحضور. كما رافق الندوة معرضٌ شارك فيه أكثر من 40 فناناً تشكيلياً.
ولد نشأت الزعبي عام 1939 في إحدى الحارات القديمة وسط مدينة حماه، في السادسة من عمره قصفت طائرات المحتل الفرنسي الحارة فزال بيت عائلته من الوجود. ودفن تحت أنقاض المنزل المجاور صديق طفولته مع أمه، وانتقلت عائلته للسكن في منزل بعض الأقرباء حيث توفيت أمه بعد سنتين فصار يجافيه النوم لشدة ألم الفراق فكان ينهض بعد أن ينام الجميع لينقل ما يرسمه ضوء (النواصة) الخافت من أشكال على جدران القبو القديم الذي كانوا ينامون فيه بعد رحيل أمه. ومن ذلك اليوم وهو يصور خلاصه ما تكتشفه عينياه من أشكال في البيت و في حارات حماه وبساتينها وعاصيها. وكذلك ما تحفظه ذاكراته من تفاصيل البيت المدمر.
عام 1956 جمعته حلقة فنية مع أربعة من شباب حماه، وشارك معهم في أول معارضهم الذي أقيم في منزل صاحب فكرة تأسيس الحلقة حمدو زلف على غرار (الرابطة الأدبية) في المهجر. ففي عامي 1957 م و 1958 نصبت الحلقة الفنية في صيفهما مخيمين للرسم في عين النابت، وقد تمخض عنهما معرضان كبيران، شغل كلّ منهما معظم جدران غرف وممرات أكبر ثانوية في حماه آنذاك، ثانوية ابن رشد، وتصادف أن كان الفنان أدهم إسماعيل في زيارة لأحد أصدقائه في حماه فجمع المشاركين في ثانوية أبي الفداء وحاضر فيهم مع عرض شرائح عن الفن العالمي بواسطة الفانوس السحري.
في ذات الوقت تقريباً اطلع وزير التربية والتعليم في جمهورية مصر كمال الدين حسين على أعماله أثناء زيارته إلى سورية قبل قيام الوحدة بين سورية ومصر، فأعجب بها ومنحه مقعداً للدراسة في القاهرة فور حصوله على شهادة (البكالوريا)، وفعلاً التحق بهذه المنحة بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، وقد زامل فيها نذير نبعه وليلى نصير وإلياس زيات،. ثم تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق بعد ذلك في عام 1964 وفازت أعماله بتمثيل سورية في معرضين دوليين هامين في الهند وفي الإسكندرية .بعد دراسته في القاهرة وتخرجه من دمشق عام 1964بدرجة امتياز
ظلت الصورة الأقدم للمنزل الذي شهد ولادة نشأت الزعبي، حاضرة في ذاكرته، ثم في لوحاته يستعيد تفاصيلها الحميمة بواقعية ذاتية تترجم ما يعتمل في داخله. وقد بدت هذه التوجهات مع أعماله الأولى في مقتبل عمره، ثم في جميع مراحل عمره التي قدّم بمحصلتها تجربة بالغة الأهمية في المشهد التشكيلي السوري تندرج بين تلك التجارب الأكثر تميزاً التي أبدعت لوحة سورية، بروح مبتكرة، وخصوصية ذاتية تضاف إلى الخصوصية المحلية فتمنح اللوحة أهمية إبداعية بهية تسمو بها عن أن تكون مجرد صورة متقنة، أو دليل سياحي. في تلك الرحلة الثرية نلقى تجمعات فنية طموحة، وتجارب جريئة، وعطاءً كبيراً في مجال التعليم بدأ من ثانويات حماة، وتوج في كلية العمارة بجامعة دمشق. ومن بعد التخرج توجه نحو البيئة الشعبية، وأخذ يمنح البيئة انطباعاته وإحساسه ببساطة ألوانه وابتعادها عن البهرجة والتزويق، وعمق تأثيرها الوجداني. بعيداً عن التصنع والتفاصيل الزائدة، وبعيداً عن الزخرفة، وبعيداً أيضاً عن المحاكاة السطحية والتكرار.
لأسباب تتعلق بتوفير متطلبات الحياة ابتعد نشأت الزعبي عن سورية نحو عشرين سنة عمل خلالها في الكويت، لكن سورية لم تغب عنه، ولا عن لوحته خاصة، ويختصر تلك العلاقة بالقول: وإنما أنا جزءٌ من البيت الإنساني السوري على وجه الخصوص، وفي عروقي لا تجري إلا دماء المجتمع الذي أعيش فيه، لذلك تمسكت بما أنا عليه: لوحة تتناول صلتي بما حولي.
إضاءات – سعد القاسم: