الملحق الثقافي:محمد غانم*
في يومٍ ما، قال أحد الفنانين الإيطاليين، إن تمثال “فينوس” آلهة الجمال اليونانية، لا يملك أيّ قيمةٍ جماليّة. طبعاً، هذا التقييم صحيحٌ، لمن تشوّهت لديه الرؤية والرؤى الجمالية، ووجهة نظري هنا:
كانت المرأة الجميلة والمرغوبة، يتوارثها الأبناء عن مقولات الآباءِ والأمّهاتِ ورغباتهم، وكانت وجهة نظر الأم عن المرأة الجميلة، نابعة من مقوّمات الأمومة.. وفي زمنٍ مضى، كانت الأنثى أماً، والأنثى المرغوبة يجب أن تكون ولوداً وعفيفة ومرضعاً، وتتحمّل أعباء العمل في البيت والحقل، وهذا فرضَ نمطٌ جماليّ، يتناسب مع ما ذكرت.
عندما لاح لنا الاقتصاد الرأسماليّ، أزاح صورة الأنثى عن أمومتها، وسعى إلى تقديمها كسلعة، وليس بالضرورة أن تكون أمّاً، وحينما قدّم الأنثى، قدّمها بما يتناسب مع التشريح الجسديّ المتوافر لديه، لا كما قُدّمت في الحضارة اليونانية، أو ما شابهها.. قدّمها بوجناتٍ ناتئة وحنكٍ عريض، وخدود ضامرة نحو الداخل، وبأكتافٍ عريضة تشبه أكتاف الذكور.
ويذكر معظمنا، الفتيات اللواتي كنّ يضعن سيجارة “مالبورو” أو “كنت” في فمهنّ.. كنا صغاراً فانطبعت في أذهاننا تلك الصورة، على أنها فتاة الإعلان، وهذا يعني أنها فتاة مميزة، وجمالها هو من أهّلها لتكون فتاة إعلان.
مع الوقت، نُحِّي الشكل الجماليّ السابق، ليحلّ محلّه الشكل الاستهلاكيّ القادم من الغرب، بما يحمل من إغراء.
هنا، وبهذا الأسلوب في اللعب بالعقول، لا عجب أن يولد لدى الكثيرين من الفنانين، وفي مختلف أصقاع الأرض، الشغف بالفنِّ الشكلانيّ والعشوائيّ، والفارغ من أيّ محتوى، والبعيد عن كلّ مضمونٍ أو حالة جماليّة أو فكريّة، ولاسيما أن الفنّ هو حالة لا يمكن السيطرة عليها، لعدم فهمه أو تفسيره. ذلك أنه حالة بصريّة يمكن تأويلها، وليس كلاماً مكتوباً، فكانت الحالة المثالية للقضاء عليه، إفراغه من محتواه، بدعمِ الفنّ الاستهلاكيّ، والمدارس حديثه الظهور والتي لا، تُغني ولا تفيد، وكلهاّ اندرجت تحت تسمية: هذه نمطية الفنان وحالته الخاصة، ما جعل اللوحة أضحوكة ومجال سخرية..
هكذا أصبحنا نقول، عن قصيدة أو رواية، إنها تحمل أحاسيس جمالية لكاتبها، رغم ما قد تحمل من أخطاءٍ إملائية أو تعبيريّة، ونقول عن لوحة إنها جميلة، رغم أنها قد تحمل كمّاً هائلاً من الضعف والأخطاء التشريحيّة، غير الاحترافية وغير المقصودة.
هكذا أيضاً، أصبحنا نستمتع بمقطوعاتٍ موسيقيّة لا تمتّ للموسيقا بصلة، وأصبحت تحرك مشاعر الأجيال الحديثة، مجموعة من الضوضاءِ، وكلمات تُصلح لأن يُنادى بها، بل ينادى بها، في سوق الهال.. هذا كلّه، يندرج ضمن التشويه والضحالة والتخريب وتغييب العقل، وهو ممنهجٌ ومدروسٌ حسب رأيي..
“الحبل السريّ عند الولادة، هو مخزونُ العقل المنقول، من تاريخِ آلاف السنين، عبر دماغ الأب والأم”..
إنه عنوان لوحتي المرفقة: “الحبل السريّ”.
*فنان تشكيليّ
التاريخ: الثلاثاء7-9-2021
رقم العدد :1062