الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
في طفولتنا، تتنامى أحاسيسنا البريئة والعفويّة، فيفردُ عنفوانُ الأحلام أجنحته، ويحلّق في فضاءاتِ حياةٍ، نستعدُّ لاعتلاءِ مجدها، أملاً لا يقرب اليباس من فصوله النديّة..
نرسمُ بإشراقتنا مستقبلَ الهدف النقيّ، وبألوان الفجر اليَقظ، نضمّخ اللحظات بما تعلمناهُ من أول النطق، فنقشناه على أسرارنا، لننطلق لا نهاب صوتها المتّزن، أو حتى الشقي..
نسيرُ بثقةٍ وتحدٍّ، ونكملُ الرحلة التي تتكاتفُ على إحباطها المراهنات، تجثمُ ثقيلة على خطواتنا، وتتصاعد كما أعباء الحياة…
نتأمّل القادم المجهول، دون أن نستسلم للوهنِ خشية أن تبتلعنا مسافاته، فتُخفي آثار إقدامِنا.. نتأمّله فنجده يُنهكُ ذاكرة الدروب، بعد أن يستبدل يقظة حكايانا، بغفلةِ حكاياه التي تفقدنا ذاكرتنا..
نتوقف رغماً عنّا، وبمشيئةٍ تتجبّر، لكنّها لا تجعلنا نيأس أو نتقهقر.. نُغري الحاضر بأملٍ يمدّنا بأنفاسٍ الطموح، ونزاحمُ الضمير على استعارةِ الشّمس، لتنير القادمِ فينا، وإن اختلينا، فلنتلمّس خطورة حرائق القلب والروح..
فجأة، يدلهمّ الوقت علينا، فنختنق ضجراً يتخثّر على شكلِ حيرةٍ، كلّما عافيناها تعود لتعترينا.. نحاول الهرب من اليباب بحثاً عن غيمةٍ تمطر ولو شيئاً من الأفراح، فينهمر الوجع ويُغرقنا بفجائعٍ لا تكفّ عن النواح..
نرفع أصواتنا: «كفى.. لن نستسلم، لعلّ وعسى».. لا يكتفي الويلُ باستحضارِ ما نتخيّله نهايتنا، بل يضيّعنا فلا يجدنا، إلا في سراديبِ الأمس، حيث ذكريات الطفولة، ومواويل الأمومة، نتشهّى أن تعود لتُنيّمنا.
ها نحن وخريف الذهول الذي جثمَ على حياتنا وبعثرها.. كسّر أوراق روحها، فشاختْ وفقدت رونقها..
نسيرُ بهاماتٍ تترنّح في كلّ مطرح.. بأفكارٍ مضطربة وقيمٍ مُعذَّبة.. بوجوهٍ واجمة ونظرات هائمة.. نبحثُ عن ثغرةٍ مضيئة لا تردمها ظلمةُ الإنسانيّة، فتدلهمّ الرؤى، لقد أعمتنا المأساويّة!!…
إنه خريفُ الذهول، وسببهُ هذيان وجعٍ، توالت فصول سمومه، حروبٌ وأوبئة شتّى، وأخطرها أوبئة العقول..
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء7-9-2021
رقم العدد :1062