يصدر العديد من السياسيين والاقتصاديين تصريحات حول الأوضاع في المنطقة، تحمل في طياتها تفاؤلاً بخروجها من الأزمات والحروب التي تعصف بها قبل أن تنفجر بوجه الجميع.
على أرض الواقع تبدو الأمور تراوح في المكان ما عدا تشكيل الحكومة اللبنانية والاتفاق بشأن إعادة تفعيل عمل خط الغاز العربي مبدئياً من بوابة تزويد لبنان بالغاز والكهرباء عبر سورية تحت غطاء ضوء أخضر أميركي للدول التي كانت توقف أو تمنع ضخ الغاز في الأنبوب.
يجزم الكثير من المتابعين والاقتصاديين في مجال الطاقة أن هذا الاتفاق لم يكن ليحصل لولا الموافقة الأميركية لأسباب كثيرة إقليمية ودولية وأميركية، ولذلك يعد مؤشراً على حصول تغيير في الموقف الأميركي إزاء الملفات المعقدة التي تحاول الولايات المتحدة الخروج منها او حلها كي لا تعاد التجربة الأفغانية.
يرى العديد من السياسيين والمتابعين للشأن اللبناني أن تشكيل الحكومة تكلل بتوافق إقليمي ودولي وبتفصيل أكثر توافق بين الدول العربية المعروفة بأدوارها في لبنان وبالتنسيق مع حلفائها على المستوى الدولي والذي تبلور بالدورين الأميركي والفرنسي.
يدرج حدث تشكيل الحكومة اللبنانية في سلة التوافقات التي تتم على مستوى المنطقة والتي سيكون لها نتائج إيجابية أولاً على الوضع اللبناني وثانياً على الوضع العربي، وهذا الاتفاق هو بمثابة منع التدهور في لبنان وبالتالي إيقاف مسلسل الأزمات وفتح الباب أمام انتاج الحلول للخلافات الأخرى وإنهاء الحروب المشتعلة في أكثر من مكان.
بالتأكيد الاستراتيجية الأميركية في المنطقة تقوم على اعتبارات مختلفة عن أفغانستان من حيث الأهداف وتشابك المصالح وتنافر العلاقات بين دول المنطقة من جهة والدول الإقليمية والكبرى من جهة أخرى، ولذلك الحسابات دقيقة للغاية والعمل الأميركي للخروج بحلول للأزمات تحفظ وجه الولايات المتحدة له الأولوية لدى إدارة بايدن وحلفائها الأطلسيين.
في المقابل تسعى دول المنطقة التي تعاني جمعيها من عواقب الحروب والأزمات والخلافات البينية إلى مواكبة التحرك الأميركي الذي يتم بحالة من الكتمان والسرية بشكل فرادى ومجموعات صغيرة، الأمر الذي يترك مساحات الخلاف مفتوحة وبالتالي تعطيل ولادة الحلول بالسرعة التي يريدها الكبار على المسرح الدولي.
لا شك أن الولايات المتحدة تأخذ في مقدمة حساباتها كيان الاحتلال الإسرائيلي، ولكن هذا العامل تقوم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإدارته بما يكفل تحقيق المصالح الأميركية والحفاظ على أمن إسرائيل وليس كما يرغب حكام الكيان، وخاصة فيما يرتبط بالملف النووي الإيراني.
على الساحة الإقليمية هناك الكثير من المؤشرات على تجنب التصريحات المستفزة والاستعاضة عنها بالدعوة للعمل والتعاون لإخراج المنطقة من حالة التجاذب والعداء ولكنها تبقى دون المستوى الذي يصنع تحولاً وربما يعود الأمر إلى توخي كل دولة أو مجموعة عدم الإقدام على خطوات تتجاوز أو تقفز فوق التحرك الأميركي الروسي في حوارهما الاستراتيجي حول القضايا الدولية الذي اتفق عليه في قمة بوتين وبايدن في جنيف.
من الطبيعي أن تواجه الجهود الإقليمية والدولية والعربية لإخراج المنطقة من الأزمات التي تعصف بها مصاعب وتحديات تعوق أو تؤخر نتائجها الإيجابية وخاصة بوجود كيان الاحتلال الصهيوني الذي تخدم أهدافه العدوانية والسياسية المرحلية توجهاته الاستراتيجية بإدامة الحروب والخلافات والانقسامات بين الدول العربية من جهة وبينها وبين بعض الدول الإقليمية من جهة أخرى، وهذا يمكن ملاحظته بوضوح فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني واستمرار كيان العدو الإسرائيلي باستغلال هذه الخلافات ودعم الحركات الانفصالية.
حتى اليوم لا يمكن القول إن قاطرة إخراج المنطقة من الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها وضعت على سكة الحل، ولكن صمود ورفض بعض الدول للمشروع الأميركي الصهيوني وفي مقدمتها سورية وحلفاؤها لا يترك مجالاً لإدارة بايدن إلا البحث عن مخرج تفادياً لتكرار التجربة الأفغانية.
معاً على الطريق – أحمد ضوا