كان الأمر مستغرباً ومؤسفاً لنا في الحقيقة أن تُبادر غرفة صناعة دمشق وريفها إلى الاصطفاف مع الممتنعين عن الإجابة على استفسارات الصحافة، والمستهترين بالدور الإعلامي، والمساهمين في التشويش على الحقائق والوقائع، من خلال تفضيل غوصهم في غياهب الضبابية، ونبذهم لشفافية مأمولة طالما حثّ عليها السيد رئيس الجمهورية، وتبنّتها الحكومة بالكثير من أدبياتها، وكان آخرها البيان الوزاري الأخير للحكومة الجديدة – رغم التحفظات على طريقة التعاطي – حيث أبدت الحكومة في بيانها التزامها بخدمة الشعب وتلبية احتياجات المواطنين ومتطلباتهم، وتوضيح الإجراءات والمعوقات التي تعترض عمل الحكومة، والعدالة والنزاهة والشفافية.
كما أن نائب رئيس اتحاد غرف الصناعة ورئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، تبنّى غير مرة ضرورة التعاون مع الحكومة وتعزيز الشفافية وتقديم دفاتر محاسبية حقيقية.
ولكن على الرغم من هذا كله تُبيّن لنا الأيام بوقائعها أنّ مزاعم غرفة الصناعة بهذا الاتجاه ليس أكثر من حبر على ورق، فلا هي تتعاون كما يجب مع الحكومة، ولا تميل بشكل حقيقي إلى تعزيز الشفافية، بل يبدو أن هذا آخر همّها، وتصرفاتها وتعاطيها مع الإعلام يجزم ميلها نحو الضبابية وعدم الوضوح.
فما حصل مؤخراً مع الزميل (جاك وهبه) أثناء قيامه بإنجاز واحد من التحقيقات الصحفية المهمة حول التشاركية، ومحاولة بحثه عن الأسباب التي جعلت من قانون التشاركية شبه جامد ويمشي بخطا وئيدة، في وقتٍ تضع فيه الحكومة آمالاً عريضة لمبادرات من رجال الأعمال ولاسيما الصناعيين منهم للخوض في هذا المجال، غير أنهم ما يزالون منكفئين عن ذلك، وغير متحمسين، ما يؤكد أن هناك سبباً معيناً – ما يزال غامضاً – يقف وراء هذا التراخي وعدم الاكتراث، وكان من الضروري جداً ومن الصالح العام – بعد خمس سنوات خمولة على صدور قانون التشاركية – السعي للكشف عن ذلك السبب الذي ربما بكشفه نستطيع الوصول إلى الطريق السليم الذي يوصلنا إلى الحل المنشود.
وعلى الرغم من أن القطاع الصناعي الخاص هو الحلقة الأقوى القادرة على جرّ عربة التشاركية مع الدولة على سكتها الصحيحة، باعتبار أن هذا القطاع هو الشريك المُفترض الأهم، وعلى الرغم أيضاً من وجوب اندفاع هذا القطاع نحو عرض أوراقه التي تمنعه من الانخراط في المجال إيّاه، فقد كان موقف غرفة صناعة دمشق بمنتهى السلبية في التعاطي والتهرب من الحديث ضمن تحقيق صحفي بارز وهام يحاول استكشاف هذه الأسباب التي ربما كان علاجها يصب في مصلحة الكثير من الصناعيين الذين ما يزالون يفوّتون على أنفسهم الكثير من فرص التشاركية الممكنة والمجدية.
ما كان أملنا من غرفة الصناعة أن يصدر عنها ذلك، لأننا كنا نعتقد – ربما بشكلٍ خاطئ – أنها تمتلك من الجرأة ما يكفي لأن تقول ما عندها بوضوح، على الأقل احتراماً لما تدّعيه بضرورة تعزيز مبدأ الشفافية.
على الملأ- علي محمود جديد