ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكن كيري بحاجة إلى كل هذا النفاق وهو يعيد النفخ في القربة المثقوبة ذاتها، ولم يكن مضطراً للخوض في كل تلك التعرجات والالتواءات وهو يتملص من مأزق افلاسه حيث تضيق مساحة المناورة التي تحاصره ،
بعد أن حشرته ما درج على تسميته اصطلاحاً بالمعارضة في الزاوية الضيقة، وهي تميط اللثام عما جمعته بين دفتيها من تناقضات وحسابات ومعادلات متعارضة تدفع بقواعد الاشتباك إلى العودة باتجاه المربع الأول لجنيف ، الذي كان ولا يزال حافلاً بالتجاذبات ومتخماً برسائل الاختبار لقواعد اللعب على المسرح العالمي.
ورغم أن «الحرج» الأميركي مصطنع باعتباره الغطاء لعودة النفاق الأميركي إلى سابق عهده، فإن ما يثير اللغط هو هذه المماطلة غير المفهومة التي دفعت بالدبلوماسية الروسية إلى الخروج عن صمتها، كمقدمة لخروج لاحق يحدد العوامل التي تهدد المؤتمر الدولي، ويسمي الأطراف والدول والجهات التي تتعمد تفخيخ الطريق إليه.
واللافت، أن جرعة الحديث الروسي عن موقف «المعارضة» تتضاعف بالتدريج مع اقتراب الساعات الفاصلة عن موعد الاستحقاق الدولي، ولا يكاد ينتهي مفعول الأولى حتى يدفع بالثانية إلى حلبة التجاذبات، مع تركيز أعلى في نسبة التوصيف الدقيق والمباشر لدورها وموقعها وأسباب مماطلتها، وصولاً إلى الدول الداعمة والراعية والممولة، فيما يشبه الإنذار بأن الأمور زادت عن حدها، وأن الكلام المعسول لم يعد يجد نفعاً ولا يبدو أنه سيجد مكاناً له على الطاولة.
وإذا كان الحرص الروسي على النجاح في إطلاق المؤتمر الدولي يبدو واضحاً، وربما كان سبباً كافياً لاتصاف الموقف الروسي بالدبلوماسية الهادئة في بعض الأحيان، فإن ما خرج بالأمس يلامس سقوفاً جديدة تخلت فيها الدبلوماسية الروسية عن سياسة التأني في تسمية الأشياء بمسمياتها، وعن الحذر في الحديث عن المسكوت عنه، بعد أن وصلت الأمور إلى طريق تبدو فيه المقاربات صعبة، والنقاط التي تهدد بنسف المؤتمر أكثر من تلك التي يمكن أن تساهم في إطلاقه.
من حيث المبدأ، لا يخفى على أحد أن المماطلة والمراوغة الأميركية عبر أدواتها وبعض مرتزقتها وصلت ذروتها, حين لا تبرح في إعطائها الفرصة تلو الأخرى قبل أن تحسم أمرها في المشاركة، وبالتالي بدا واضحاً أن الإدارة الأميركية لا تشعر بالقلق، وليست بوارد الخشية مما ستؤول إليه الأمور في حال فشلت المعارضة بتشكيل وفدها، ما يعكس نفاقاً أميركياً على المكشوف وينسف الاتفاق الثنائي الروسي – الأميركي المنجز.
وفي المضمون، ثمة مؤشرات واضحة على أن أميركا تستخدم تلك المعارضة ذريعة لتتهرب هي – قبل غيرها- من استحقاقات المؤتمر، حيث لا يخفى على الروسي كما هو على غيره، بأن المشاركة والوفد لا علاقة لهما بما يجري من اجتماعات، بقدر ما يعكس تردداً أميركياً في الحسم يتجاوز الشكل المبالغ فيه، لأن أميركا لو أرادت حسمه لما احتاجت كل هذا الوقت.
الأخطر فيما يجري، أن الأمر ذاته ينسحب على الأمم المتحدة التي لم تصدر بياناً واحداً تشير فيه إلى الانعكاسات السلبية التي تترتب على التأخير في تحديد المعارضة لوفدها، بعد أن كانت ذاتها قد قررت أن السابع والعشرين من الشهر الماضي آخر موعد لتحديد أسماء الوفود، وهو الأمر الذي كانت قد ضربت به عرض الحائط مراراً وتكراراً، واخترقته من اليمين إلى اليسار وبالعكس، ولم يبدِ المبعوث الدولي ما يشير إلى امتعاضه ولا إلى خشيته من انعكاسات هذا التأخير على المؤتمر بحد ذاته.
ما يمكن استنتاجه وسط هذا الضجيج المتعالي، أن هناك من يريد العودة إلى المربع الأول، ولا يخفي الرغبة في استعادة قواعد الاشتباك التي تعيد إلى كل دور موقعه المعتاد، بحيث إن الموقف الأممي الملتبس من الصمت على تأخير المعارضة في تشكيل وفدها يشكل قاعدة انطلاق للتحالف غير المعلن مع الأميركيين، بما في ذلك دور المبعوث الأممي الذي لا يزال يجول صامتاً بانتظار الإشارة الأميركية.
لذلك ربما كان من الطبيعي أن ترتفع وتيرة الجرعات الروسية، وان تأخذ مساراً جاداً وأكثر حدة وهي تلمس بوضوح شديد هذا التواطؤ الأميركي مزنراً بموقف أممي يشاركها الرغبة ذاتها ولو بدا أبعد في تموضعه عن الأميركي، الذي ما فتئ زعيم دبلوماسيته يصدر أوامره الإعلامية ويقينه الدعائي بأن معارضته ستشارك، وهي أوامر حمالة أوجه وملتبسة، وربما كانت هي كلمة السر الحقيقية التي تتخفى خلفها تلك المعارضة لكي تماطل حتى إشعار آخر، بانتظار لحظة تملص الأميركي من التزاماته حيال «جنيف»
a.ka667@yahoo.com