افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في أيلول من كلّ عام، مرّة بعد أُخرى منذ تَأسيسها، تَعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاتها السنوية يَتناوب فيها الرؤساء والقادة على منبرها بخطابات تكاد تتطابق مع سابقاتها رغم تَباينها في الشكل والأسلوب، بل تَكاد تتطابق في المُحتوى رغم اختلاف المُفردات التي تُحاكي وَضعاً أو أوضاعاً دولية تَزداد سوءاً وتَعقيداً، من دون أن تَقف هذه الخطابات على حقيقة أنّها في النتيجة الكُليّة لا تُحدث أثراً في الحركة الدبلوماسية والسياسية ولا في الواقع، وتَبدو أعجز من أن تُوقف التدهور الحاصل على جميع المُستويات.
في تاريخ الأمم المتحدة لا يُمكن لراصد أن يَعثر على ملف تَمّت مُعالجته بإرادة سياسية جَمعية نشأت من داخلها، ولا يمكن لمسؤول فيها أن يَفقأ عينَ أحد بادّعاء أنّها قامت بدورها وأدت واجبها في ملف بيئي أو إنمائي فضلاً عن ملفات الحرب والسلام التي تُسجل زيادة لجهة أعدادها والتي تُسجل حالة غير مَسبوقة لناحية تَنوعها وامتداداتها، بل إنها تبدو أعجز من أن تَكشف عن الأسباب التي تُؤدي لتطور هذه الملفات لجهة التفاقم والازدياد والامتداد، ودائماً بما يُهدد السلم والأمن الدوليين.
إذا كانت سمة العجز باتت مُلتصقة بالمنظمة الدولية التي يَتردد داخلها فقط صدى الخطابات التي تُلقى في اجتماعاتها الدورية وغير الدورية، يَصحّ السؤال عن جَدوى استمرارها من عَدمه، وعن ضرورات ووجوب إصلاحها في نظامها وميثاقها والأحكام التي تَنظم عملها، بل يَبدو من الواجب على جميع الأعضاء البحث في الأسباب التي جَعلتها على هذه الحال، لمُعالجتها، وكذا البحث في الأسباب التي نَزعت عن النظام الدولي كلّ مصداقية.
لا يَخفى على أحد، وليس اكتشافاً أن يُقال حالياً وعلى أوسع مَدى إنّ الأمم المُتحدة فقدت الزخم السياسي الذي كان يَنبغي عليها التمسك به والمُحافظة عليه، وكان يجب على أعضائها فعل كلّ شيء لمَنع افتقادها له أو تَجريدها منه، ومُقاومة كلّ استهداف لها لأنه استهداف لما بات يُسمى مُجتمعاً دولياً لا وجود له في ظلّ هيمنة أطراف بعينها على القرار الدولي وفي ظلّ ازدراء هذه الأطراف للإرادة الدولية. وهو ما لم يَحصل لا تَمسكاً فعلياً ولا مُقاومة مُؤثرة؟!.
التهديدات المُتكاثرة الماثلة للأمن والسلام الدوليين، تَفجُّر الحروب، طُغيان الإرهاب الاقتصادي ومُمارسة أميركا والغرب لإرهاب الدولة المُنظم في أربع جهات الأرض، هي بعضٌ من أدّلة كثيرة تُؤكد حالة العجز المُلتصقة بالأمم المتحدة التي تَبقى خطاباتها وقراراتها حبراً على ورق وصوتاً بلا صدى.
إنّ استمرار الحال على ما هو عليه، خطاباتٌ مُتطابقة في الشكل والمُحتوى الفرقُ فيها بين عام وآخر أنها تَغرق بتفاصيل جديدة عن تلك التي كانت سبباً في هذه، ذلك ما لا يَقوى على تَغيير الواقع ولا على إحداث أيّ تَغيير بحال الأمم المتحدة التي لا يُمكن لحالها أن تَتغير إلا بقطع خطوة إصلاح حقيقية تَجعل قراراتها مُلزمة كما هو الحال مع قرارات مجلس الأمن الدولي الذي تُسيطر عليه قوى الشر والعدوان التي تتطاول على المبادئ والميثاق وتُعطل إرادة السلام والتنمية في العالم.
إنّ مُحاولة الاستماع لخطابات الكذب والنفاق والاستفزاز لكل من جو بايدن، نفتالي بينيت، ماكرون وأردوغان وسواهم، تَبدو كافية وحدها للاندفاع والقيام ليس فقط بفعل الرد عليهم خطابياً – حتى لو كانت خطابات الرد مُعززة بالحجة والمنطق والدليل – إنما لا بُدّ من اتخاذ خطوات عمليّة مُؤثرة تَضع حداً لسياسات البلطجة والهيمنة والعدوان، ذلك أنّ المسافة الفاصلة بين خطابات الاستفزاز والإجراءات المُعادية المُترافقة معها، وبين فعل الرد عليها، لا ينبغي لهذه المسافة أن تَكبر وتَمتد لأنّ المَخاطر ستتعاظم، ولأنّ من هُم من مُستوى أنتوني بلينكن، ايال حولتا، جاك سوليفان، وأفيف كوخافي، سيَجدون مَطرحاً مُمهداً لهم.