الثورة اون لاين – سلام الفاضل :
يلعب نعوم تشومسكي دوراً مهماً في تاريخ الفكر الفلسفي، وعلم اللسانيات في العالم، إذ إنه أظهر أن هناك لغة إنسانية واحدة فقط، وأن التعقيد الهائل للغات المتعددة التي نسمعها حولنا هي عبارة عن روايات مختلفة تدور حول موضوع واحد. كما أنه أحدث ثورة في علم اللغويات مثبتاً أن جزءاً كبيراً من معرفتنا محدد وراثياً، وقلب الطاولة على المدرسة السلوكية في علم النفس، وأعاد الفكر إلى موقعه المتميز في دراسة الجنس البشري، إلى جانب ما قام به من توثيق أكاذيب الحكومة، وفضح النفوذ الخفي للشركات الكبيرة، ورسم صورة للنظام الاجتماعي والعمل بوصفه ضمير الغرب.
إذاً غيّر تشومسكي الطريقة التي نفكر بها في أنفسنا، ليحتلّ موقعاً في تاريخ الأفكار يوازي في أهميته موقع داروين، أو ديكارت، ويشابه فرويد، وأينشتاين.
ولتحليل الإسهامات الرئيسة لتشومسكي في دراسة اللغة، ودراسة الفكر من خلال أعماله الكثيرة والمتنوعة فقد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن “المشروع الوطني للترجمة” كتاب (تشومسكي… أفكار ومُثل)، وهو من تأليف: نِل سميث، وترجمة: معن الصالح، ومراجعة: د. علي اللحام.
يقدم هذا الكتاب كما يعرض المترجم في مقدمته: “شرحاً مفصلاً وتاريخياً بشكل جزئي حول النظرية اللغوية لتشومسكي، ويدرس الأفكار من ناحية البنية المعقدة والسطحية للدراسات الاقتصادية لبرنامج الحد الأدنى الذي اشتهر به. كما يناقش الآثار الفلسفية والنفسية لأعمال تشومسكي، ويحلل أفكاره السياسية وكيفية توافقها مع عمله العلمي من الناحية الفكرية”.
يبدأ الفصل الأول من الكتاب بوضع اللغة ودراستها في سياق أوسع كجزء من البحث العلمي للطبيعة البشرية، ويحتوي هذا على مناقشة بنية العقل مع الأدلة المستمدة من دراسة كل من الحالات الطبيعية والمرضيّة على حد سواء لتفكيك القدرات البشرية، ومع اللغة كونها “مرآة العقل”. ويتبع هذا الفصل الافتتاحي شرحٌ مفصلٌ، ويكاد يكون تأريخياً، لنظريات تشومسكي اللغوية، وأفكاره التي اشتهر بها. في حين يُخصص الفصل التالي للآثار الفلسفية والنفسية لعمل تشومسكي.
ويتناول الفصل الثالث مسألة تتطلب مناقشة مطوّلة حول ما يُقصد بالحقيقة النفسية، مع تقديم الأدلة على ذلك من معالجة اللغة، ومن اكتساب الطفل للغة الأم، ومن تشريح اللغة في علم الأمراض، كما يناقش هذا الفصل كذلك الحل الذي طرحه تشومسكي “لمشكلة أفلاطون”، وكيفية تمكّن الأطفال اكتساب لغتهم الأم بعد تعرض محدود للغة.
وينتقل الفصل الرابع لبيان الجوانب النفسية لأفكار تشومسكي، مع عرض التزاماته الفكرية بالواقعية والطبيعية والعقلانية، ويشرح الخلافات التي أثارت كثيراً من الجدل في المجتمع الفلسفي.
أما الفصل الأخير فيختص بمناقشة الأفكار السياسية لتشومسكي، وكيف تنسجم مع عمله الأكاديمي. وينتهي الكتاب بفهرس يجمع المراجع والمصادر والاقتراحات المفصّلة، بغية تقديم مزيد من القراءة في نهاية هذا الكتاب الذي يقع في ٤٠٨ صفحات، والذي قد يلقى ترحيباً كبيراً من مجموعة واسعة من القرّاء، وخاصة الطلاب والباحثين في علمي اللغة والفلسفة، وعلم النفس والعلوم الإدراكية، وعلم السياسة، ومن قِبل أي شخص متأثر بأعمال تشومسكي