الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
بينما يقوم وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار ببذل جهود مكثفة لحشد الدعم لمشروع إدارة بايدن لتأجيل أي مشاركة بناءة مع حكومة طالبان في كابول من قبل المجتمع الدولي، كان المحور الأمريكي البريطاني يعمل بشكل منهجي لإشراك طالبان والتعاون معها.
في هذا الصدد، كانت الزيارة التي قام بها وزير القوات المسلحة البريطاني جيمس هيبي إلى أوزبكستان يومي 21 و 22 أيلول، في الواقع زيارة عمل لوضع اللوجيستيات من أجل مشاركة مستدامة مع حكومة طالبان، كما تابعت نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان الأمر بسرعة هذا الأسبوع في طشقند.
وكانت هناك موجة هائلة من الآراء في المجتمع الدولي، أبرزتها وكالات الأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش مراراً وتكراراً في الأسابيع الأخيرة، مفادها أن كارثة إنسانية تتكشف في الوقت الحالي في أفغانستان.
بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي أصيبت بالفعل بفشل ذريع جراء الإخلاء العشوائي في مطار كابول، فإن هذه الأزمة الإنسانية التي تلوح في الأفق تسبب المزيد من الضرر بسمعتها في العالم، ويكفي القول إن الولايات المتحدة وبريطانيا تستعدان لقيادة برنامج مساعدات إنسانية من شأنه أن يفتح حتماً الطريق أمام تعاملهما مع حكومة طالبان من الناحية السياسية.
إلا أن الفكرة هي “تطبيع” العلاقات مع طالبان على مستوى العمل وبناء الثقة المتبادلة، ثم يتبعها الاعتراف الدبلوماسي الرسمي بالحكومة في كابول كخطوة منطقية عاجلاً وليس آجلاً، ومن المثير للاهتمام أن هناك بعض المؤشرات بالفعل على أن إدارة بايدن تنأى بنفسها عن السفيرة الأفغانية السابقة في واشنطن، أديلا راز التي عينتها حكومة أشرف غني السابقة.
في الأساس قررت واشنطن ولندن أنه من الممكن التعامل مع حكومة طالبان، وهذا يرجع إلى تقييمهم الاستراتيجي بأنه لا توجد طريقة أفضل للتصدي للتهديد الأمني الناشئ عن تنظيم (داعش) والجماعات الإرهابية الأخرى الموجودة في أفغانستان، إلا باختيار حكومة طالبان، بالنظر إلى حقيقة أن طالبان و داعش “أعداء”.
في الواقع، إن التقييم الغربي هو أنه من غير الحكمة السماح لطالبان بالاعتماد الكامل على الدول المحيطة بأفغانستان، روسيا والصين وإيران وباكستان، في المناخ الدولي الذي يسوده التنافس بين القوى العظمى بظروف الحرب الباردة الجديدة.
إن التقييم المهني في الأوساط المطلعة هو أن حكم طالبان في أفغانستان واقع مقنع لا يمكن تجاهله، وهذا يعني أنه لا يوجد بديل لممارسة الأعمال التجارية مع حكومة طالبان، وكلما بدأت الاتصالات في مثل هذا الاتجاه في وقت مبكر، كلما كان ذلك أكثر إنتاجية لكلا الجانبين، كما أن شبح تدفق اللاجئين من أفغانستان يطارد العالم الغربي بالفعل.
دفعت كل هذه الاعتبارات المتعددة إلى زيارة الممثل الخاص لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بشأن أفغانستان، السير سايمون جاس، رئيس لجنة المخابرات البريطانية المشتركة والسفير البريطاني السابق لدى إيران، إلى كابول يوم الأربعاء لإجراء أول اتصال مباشر مع حكومة طالبان.
وقد رافق “جاس “مارتن لونغدين القائم بالأعمال في السفارة البريطانية في كابول، والتي تم نقلها الآن إلى الدوحة، وكان في استقبال الدبلوماسيين البريطانيين وزير خارجية طالبان خان أمير خان متقي.
وقد صرح الجانب البريطاني في وقت لاحق بأن جاس أجرى “مناقشات جادة وجوهرية مع متقي ” حيث تمت تغطية مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك الأزمة الإنسانية، والإرهاب، وأهمية الممر الآمن للمواطنين البريطانيين والأفغان، وحقوق النساء والفتيات “.
وجاء في بيان بريطاني في وقت لاحق أن المبعوثين البريطانيين التقوا أيضاً مع نائبي رئيس وزراء حكومة طالبان الملا عبد الغني بارادار أخوند ومولاوي عبد السلام حنفي.
من المتصور أن إعادة فتح السفارة البريطانية في المستقبل القريب، أو أي شكل من أشكال الوجود البريطاني في كابول لا يمكن استبعاده.
ليس هناك من ينكر حقيقة أن الولايات المتحدة وبريطانيا تتحركان جنباً إلى جنب في كثير من الأحيان في التاريخ الحديث، فالإدارات والحكومات تتغير ولكن “العلاقة الخاصة” بينهما تبقى حية ومزدهرة.
لا شك أن مهمة سيمون جاس حظيت بدعم كامل من إدارة بايدن. ومع تحليق جاس إلى كابول، تبدأ الخطوة الأولى في اللعبة الكبرى الجديدة في أفغانستان كنموذج لما يسمى “المنافسة الاستراتيجية” التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين.
هذه الخطوة البريطانية الجريئة التي تخترق ألسنة الخطاب اللاذع حول التعاون مع حكومة طالبان هي بمثابة تحذير صارخ من أن الحرب في أفغانستان قد تحولت إلى شكل جديد من اللعبة الكبرى في هذا القرن.
المصدر: Asia Times