تتواتر التصريحات المنسوبة للبعض في منطقة الجزيرة عن انفتاحهم على الحوار مع الحكومة السورية بعد أعوام من الارتماء في الحضن الأمريكي وتنفيذ أجندات انفصالية تمثلت في سيطرة ميليشيا “قسد” بالتعاون مع قوات الاحتلال الأمريكية على معظم مناطق الجزيرة بما فيها حقول النفط والغاز والقمح وحرمان السوريين منها.
الانفتاح المزعوم يتزامن مع تهديدات تركية بشن عدوان ضد المناطق التي تسيطر عليها “قسد” وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا الانفتاح منفصلاً عن الظروف المستجدة على الحدود الشمالية والتهديدات التركية، وربما يرتبط أيضاً بتلاشي أوهام هؤلاء بجدوى الاعتماد على قوات الاحتلال الأمريكي من جهة أو تحقيق طموحاتهم الانفصالية من جهة ثانية.
فدمشق تعلم جيداً الزئبقية السياسية لهؤلاء وهي خبرت الحوار معهم في محطات سابقة وخصوصاً مع إعلان الولايات المتحدة انسحابها من سورية وتنفيذها عمليات انسحاب من المناطق الشمالية بريف الرقة عام 2019، وشن النظام التركي عدواناً على المناطق الشمالية والشمالية الغربية بدأه في عفرين عام 2018 وامتد إلى تل أبيض ورأس العين.
عندها هرولت “قسد” وسواها باتجاه دمشق طالبة العون لمواجهة العدوان التركي وتم الاتفاق على خطة سرعان ما تنصلت منها “قسد” وأحبطتها بمجرد علمها ببقاء بعض من قوات الاحتلال الأمريكي في شرق الجزيرة السورية.
اليوم المطلوب من هؤلاء التحرك من منطلق وطني للحوار مع دمشق بعيداً عن المواقف الزئبقية والمصالح الآنية، فالوقت يمر وما يمكن إصلاحه اليوم قد لا يتاح في المستقبل، والنظر للحوار بعين المستقبل بعيداً عن المخاوف الآنية المرتبطة بهجوم تركي وشيك أو بعيد، وبمعزل عن انسحاب أمريكي إن لم يحدث اليوم فلن يتأخر كثيراً.
الجدية في اتخاذ المواقف والمسؤولية الوطنية تقتضيان تسليم مناطق الاشتباك للجيش العربي السوري بشكل كامل وكذلك تسليم حقول النفط والغاز للدولة السورية لدعم قدراتها لمواجهة الحصار الغربي الأمريكي ودعم صمود السوريين على مختلف أرجاء الجغرافيا السورية وتمكين الجيش من حماية أبناء الوطن جميعاً.
وعلى “قسد” التفكير جدياً بالانضواء تحت لواء الجيش العربي السوري وفي هيكليته ليكون قوة واحدة تدافع عن سورية من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها، فالمنطق يقول: إنه وفي أي حل نهائي لن يبقى أي مكون عسكري خارج إطار الجيش وإمرته.
الأيام القادمة سوف تكشف مدى جدية الرغبة في الحوار بمعزل عن التهديدات التركية والانكفاء الأمريكي، فإن كان الدافع للحوار مجرد تكتيك آني، فلن يتم التوصل لنتيجة كما حصل في السابق، رغم حرص الحكومة السورية على التوصل إلى حل يحمي الأهالي في الجزيرة ويعيد تلك المناطق إلى كنف الدولة، ما من شأنه أن يلجم التهديدات التركية، وينهي الأوضاع الشاذة في تلك المنطقة.
فالتعويل على الحماية الأمريكية، رهان فاشل بالوقائع، خبرته “قسد” عندما شن النظام التركي عدوانه بداية عام 2018 على المناطق الشمالية الغربية في عفرين وغيرها وارتكب المجازر تحت أنظار الاحتلال الأمريكي الذي لم يحرك ساكناً، وخبره العالم أيضاً في أفغانستان عندما تخلت واشنطن عن أدواتها وانسحبت بعد عقدين من الاحتلال.
إضاءات – عبد الرحيم أحمد