الثورة – عبد الحليم سعود:
لا يختلف اثنان في أن “الكيان الصهيوني” هو الحاضر الغائب في محادثات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث لا يكف المسؤولون الصهاينة عن التدخل فيها ومحاولة التأثير سلباً على مجرياتها ومحاولة تعطيلها، حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت من الولايات المتحدة “وقفا فوريا” لهذه المحادثات، بزعمه أن إيران تمارس “ابتزازا نوويا” فيها، مدعيا أن ذلك هو أحد تكتيكاتها في المفاوضات، وإن الرد المناسب يكون بوقف المفاوضات فورا واتخاذ خطوات صارمة من قبل الدول العظمى”.
المحادثات التي تشير العديد من المصادر المتابعة إلى أنها اقتربت من إنجاز اتفاق جديد، تعاني من التخبط والتردد الأميركي الناجم عن تأثير اللوبي الصهيوني بالسياسة الأميركية، حيث يبدو الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تعهد بالعودة إلى الاتفاق الذي وقعته إدارة أوباما عام 2015 وخرجت منه إدارة ترامب في العام 2018 مترددا في إنهاء حالة الحصار والعقوبات الأميركية على إيران، وهو الشرط القانوني الذي وضعته إيران من أجل الالتزام الكامل للاتفاق، وحسب المفاوض الإيراني علي باقري كني فإن بلاده قدمت مسودتين أو اقتراحين لإنقاذ الاتفاق ” الأول يلخص وجهات نظر الجمهورية الإسلامية بشأن رفع العقوبات، والثاني يتعلق بأنشطة إيران النووية” مضيفاً أنه “الآن يتعين على الجانب الآخر فحص هذه الوثائق، والاستعداد للتفاوض مع إيران على أساس النصوص المقدمة”.
وفي ذات السياق، أشار باقري كني إلى وجود لاعبين خارجيين يبذلون جهودا لتعطيل المحادثات” كناية عن الكيان الصهيوني الذي يجن جنونه كلما اقتربت لحظة التوقيع على اتفاق جديد، وأضاف باقري كني: “لدينا مقترح ثالث سيقدم فور قبول القوى الدولية للمقترحين الأولين”، مشددا على أن المقترحات الإيرانية لا يمكن رفضها، كونها تعتمد على بنود اتفاق 2015.
وللتذكير فقط فإن اتفاق عام 2015 قد أتاح رفع العديد من العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، لكنه انهار بسبب انسحاب الولايات المتحدة منه تحت ضغط إسرائيلي وجهات أخرى اعتبرت نفسها متضررة.
ومن الواضح حتى الآن أن الكيان الصهيوني يعتبر نفسه الخاسر الأكبر جراء توقيع أي اتفاق جديد يضمن حقوق إيران النووية ويرفع عنها العقوبات المفروضة، ولذلك يحاول عرقلة الاتفاق بأي ثمن، وفي هذا الإطار نفذت أجهزة استخباراته وأدواته في السنوات الماضية العديد من عمليات الاغتيال لعلماء ومسؤولين إيرانيين على صلة بالبرنامج النووي، إضافة إلى العديد من عمليات التخريب طالت منشآت نووية إيرانية، لكنها لم تؤثر في تصميم إيران على مواصلة أنشطتها النووية السلمية القانونية، بل على العكس كان الحضور الإيراني في المفاوضات قوياً وفرض منطقه، وهو ما انعكس بتراجع إدارة بايدن عن العديد من الإجراءات المتخذة ضد إيران، مع محاولات يائسة لربط الملف النووي بملفات سياسية أخرى كملف الصواريخ الباليستية وملف نفوذ إيران وعلاقاتها في المنطقة، وهو ما ترفضه إيران جملة وتفصيلا.
من المرجح أن تتوصل الأطراف المتفاوضة إلى صيغة اتفاق جديد يراعي المقترحات الإيرانية ويستجيب لها إلا إذا نجح اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بالضغط على إدارة بايدن ودفعها للوراء، وليس من المستغرب أن يقوم الكيان الصهيوني في هذا الإطار بخطوات تصعيدية ضد إيران تعكس حنقه وانزعاجه وغضبه من الأجواء الإيجابية التي تلوح في فيينا، وهذا ما يستوجب جدية أميركية وأوروبية أكبر لاستباق الحماقات الصهيونية، فالفرصة المتاحة اليوم لتوقيع اتفاق تاريخي قد لا تكون متاحة غداً ولاسيما أن التيار الممالئ لإسرائيل في أميركا يبذل قصارى جهده بالتشاور مع حكومة بينيت لإضعاف بايدن وإجباره على التراجع عن وعوده بشأن العودة إلى الاتفاق النووي.