الثورة – حسين صقر:
أن نكون ظرفاء ولطفاء ومهذبين، يعني أن يحبنا الناس ويتسابقون لخدمتنا والتعاون معنا، لكن إذا حصل العكس، فهذا يعني الابتعاد عنا والتعوذ من وجودنا، ويعني أيضاً أننا ثقيلو الدم والظل في حياتهم وأوقاتهم.
المعاملة الطيبة أصلها كلمة طيبة وابتسامة ترتسم على الشفاه، وهو ما يمنح الإنسان العقلية الإيجابية التي تبقيه بعيداً عن المشكلات بأنواعها، لأن الكثير من العلاقات قد تُكسر بسبب بعض الكلمات القاسية والأجوبة الناشفة، وقد تبدأ الكثير من الصداقات بسبب بعض الكلمات المعسولة، حيث الكلمات الجميلة لا تكلف شيئاً وهي رأس المال لكل علاقة اجتماعية صحيحة.
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فحسن المعاملة مع الناس يكسب ثقة الآخرين فيه وثقة نفسه وتزيد الألفة والمحبة فيما بينهم، لأن إكرام الشخص للناس بحسن الخلق، ليس إكراماً لهم وحسب، بل إكرام لذاته، وإهانته لهم، بالضرورة إهانة لنفسه، لأنه سوف يتلقى ردود أفعال قد لا تكون متوقعة.
فميزان الإنسان السوي يوم القيامة حسن الخلق، لكون الإنسان الفاحش البذيء مكروهاً دنيا وآخرة.
فكثيرة هي الأقول عن المعاملة الطيبة، لكن المطبقين لها قلائل جداً، وتراهم يتحدثون عن التسامح والعطاء بلا هوادة والتضحية والإيثار، وقد يكونون بعيدين عن تلك القيم كل البعد، خاصة وأن الشخص المحترم الراقي بأقواله وأفعاله معاً، والمصطلحان يكملان بعضهما البعض، ويضيفان رونقاً خاصاً للشخصية إذا ارتبطا بشكل وثيق فيما بينهما.
الكثير من الناس ينظرون إلى الشخص المتواضع والمتسامح على أنه ضعيف، وقد يتكلمون في غيابه، ويسايرونه أثناء حضوره، لكنهم في قرارة أنفسهم يتمنون أن يكونوا مثله، لأنه يعلم متى يصمت ومتى يرد.
ولهذا فالشخص السوي والمتوازن، إذا أكرمته يعرف المعروف، والمعاكس له يتمرد عليك إذا أكرمته “فإذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أكرمت اللئيم تمردا» فالمغرور يرى نفسه أنه الأفضل ويتصيد أخطاء الآخرين ويتعامل معهم بتعال على أساس أنه فوق الجميع، فلا تعطه الفرصة كي يتصيد الأخطاء ودعه يتحدث كثيراً فمصيره المصيدة.
علماء النفس يرون أن الشخص المتعالي، لا بد وأنه يعوض نقصاً ما في داخله، ولهذا يظن نفسه أنه صعب المنال، متجاهلاً أن من احترم الناس يحترموه، ومن أساء لهم لن يلوم إلا نفسه.
ويؤكد هؤلاء أن المعاملة الحسنة مظهر من مظاهر الرقي الفكري والصفاء النفسي، ولها علاقة مهمة بالمظهر العام، والذوق العام يسهم الفرد أياً كان موقعه فيه بسلوكه الشخصي وثقافته الذاتية، وتأتي المعاملة الحسنة ثمرة لمنظومة من الأخلاق الحميدة ونتيجة طبيعية لها سواء أكانت أخلاقاً ذاتية من باب السجيّة والفطرة الأصلية أم كانت أخلاقاً مكتسبة بالعلم والثقافة والفكر والوعي والإدراك والخبرة.
ويؤكد هؤلاء أن الجانب الأخلاقي ملازم لجميع الأديان ومحل اتفاق بينها، وكذلك الفلسفات الإنسانية والمدارس الفكرية على مدار التاريخ الإنساني من حيث النظرة للفضائل والخيرات والقيم الأخلاقية الكبرى كالعدل والحق والجمال، وبها تفسر نشوء الحضارات، ولهذا يدعون إلى التحلي بها والاتصاف بصفاتها الحميدة.