أكبر خطأ في حياة فريد الأطرش، من وجهة نظري، أنه كان يستجدي أم كلثوم لتغني من ألحانه، لاسيما وأنه كان مبتكر ألحان خالدة حققت شهرة عالمية لم يحققها أي ملحن عربي معاصر.
وفي هذا الصدد يكفي أن نشير إلى إشكالية العلاقة القائمة بين الأداء والابتكار، تلك الإشكالية التي أخرت أم كلثوم تسع سنوات، حتى حصلت على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، وهي أعلى جائزة في مصر( رشحت لها عام 1959 وحازت عليها عام 1968) وذلك بسبب الجدل الذي استمر على مدى تلك السنوات لمعرفة إذا كانت مجرد مؤدية أم مبتكرة، ولقد قدم الناقد والباحث والمؤرخ الموسيقي د. سعد الله آغا القلعة تحليلاً لخلفيات ماحصل من نقاشات ووجهات نظر متباينة ومتناقضة على مدى سنوات طويلة.
أم كلثوم ذاقت ولتسع سنوات مرارة اعتبارها مجرد مؤدية وليست مبتكرة، أما فريد الأطرش فلا أحد يشك بقدراته المطلقة على الخلق والابتكار، هو الذي قدم أروع الألحان بصوته، وبصوت شقيقته أسمهان، التي يجمع نقاد الموسيقا والغناء على أنها كانت مبتكرة وليست مجرد مؤدية.
ورغم كل ما حصل ظل فريد الأطرش الفنان المبتكر في التلحين والأداء، وفي كل مجال فني خاضه، يقدم تنازلات لأم كلثوم حتى نهاية حياته، لتغني من ألحانه، هي التي غنت لجميع الملحنين، ومن كل الأجيال، باستثناء فريد عصره ووحيد زمانه فريد الأطرش (غنت من ألحان أبو العلا محمد وأحمد صبري النجريدي وداوود حسني والقصبجي وزكريا أحمد وعبد الوهاب والسنباطي وفريد غصن وصولاً إلى بليغ حمدي ومحمد الموجي وسيد مكاوي وكمال الطويل وغيرهم ).
وقد تكون هناك أسباب بعيدة وفي مقدمتها الشكوك التي ألقت بظلالها القاتمة على أم كلثوم إثر مصرع أسمهان الغامض عام 1944 على اعتبار أن أم كلثوم كانت المستفيدة الأولى من رحيل أسمهان المبكر، لأنها الوحيدة التي كانت تشكل خطراً على نجوميتها وتربعها على عرش الغناء العربي، وهناك تكهنات بأن المحيطين بها منعوها من الغناء لفريد الأطرش، لأنهم كانوا يخافون على مستقبلهم الفني، كونه كان يواجه بمفرده جيشاً من الملحنين، الذين كانوا وراء نجاح كبار المطربين والمطربات، وفي مقدمتهم أم كلثوم.
رؤية- أديب مخزوم