الثورة – بقلم الدكتور رحيم هادي الشمخي:
دخلت الدول العربية في العملية السلمية مع “إسرائيل” اللقيطة بمبادرة أمريكية وبرعايتها ورعاية روسيا الاتحادية، وشاهد العالم على المحك كيف أبرمت “إسرائيل” معاهدة السلام مع الفلسطينيين، وكيف تعاملت مع بنود المعاهدة على الأرض؟ وفي اللقاءات والمباحثات مع الجانب الفلسطيني تارة، ومع الوسطاء الأمريكيين والمصريين تارة أخرى، وجد العالم كيف يتعامل حكامها مع السلام وفق نظرتهم إلى السلام وحيدة الجانب.
وتدور قصة السلام المزعوم اليوم في متاهات تضليلية بين الكر والفر والتقدم الوهمي والانحسار الحقيقي بايقاعات متساوية، حيث تبقى مسيرة السلام في نهاية الأمر وحتى الآن عالقة مجمدة تراوح مكانها سواء على المسار الفلسطيني أو العربي، ويتم الحديث عن عملية السلام بشحنة تصريحات عن الأميركيين تارة وعن الإسرائيليين تارة أخرى، ثم لا تلبث أن يتم تفريغ هذه الشحنة لتكون المحطة صفراً.
لعل ما يغيب عن الفكر السياسي الدبلوماسي العربي وحتى الغربي أهمية تحليل السلوك الإسرائيلي العملي وليس السياسي فقط في العملية السلمية، وسنجد أن الطبيعة العدوانية عند “إسرائيل” تكون تركيباً وأسلوباً متعلماً معززاً بحيث من الصعب جداً أن تتحول هذه الطبيعة المرسخة بيولوجياً وتعليماً اكتسابياً إلى طبيعة سلمية مسالمة حسب ما ترنو إليه التطلعات العربية وحتى الغربية نفسها، فهناك بنى إدراكية عدوانية تتفاعل مع تركيب بيولوجي عدواني عند المسؤولين السياسيين والحزبيين والعسكريين الإسرائيليين الذي يرسمون الآن خطط العدوان حتى في سلوكهم السلمي الظاهر المخادع، ولهذا فإن السلام العادل مع “إسرائيل” إن حدث فسيكون معجزة وحدثاً يحرق التنبؤ العلمي لسيكولوجية العدوان القائم على أسس تجريبية وافتراضية علمية.
وما يهمنا هنا تشكل السلوك الإسرائيلي الجماعي المتمثل في الأحزاب اليمينية المتطرفة والمسؤولين العسكريين والسياسيين الذين حكموا ويحكمون “إسرائيل” منذ عام 1948 وحتى اليوم، وخلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة برزت “إسرائيل” ككيان عدواني، ومجتمع متعصب له سمات اجتماعية وسلوكية وسياسية معينة يتفرد عن غيره من المجتمعات العرقية في هذا العالم، وأن سجل “إسرائيل” على مستوى الشرعية الدولية مفعم ومليء بالسلوك العدواني، والمتمثل في إدانات المجتمع الدولي في اعتداءاتها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وجرائمها عبر هذه الحقبة الزمنية، حيث يمكن القول إن سجلها كله أسود لم تجاريها أي دولة في العالم في الجرائم والعدوان ضد الشعب العربي الفلسطيني خاصة، والشعب العربي عامة، فالصهاينة بطبعهم عنصريون بصورة مطلقة، لذا فإن العامل الإرثي يكون مشبعاً في توارث سماتهم الجينية، وهم لم يتعلموا مواجهة الإحباط خلال ممارساتهم السياسية والعسكرية، حيث كلمتهم ومطالبهم نافذة في الولايات المتحدة الأمريكية وحتى في أوروبا، ويتبنى الغرب وجودهم وفرض سلطانهم على العرب من خلال تمكينهم بالقوة المتعاظمة والمتفوقة على العرب، وهذه سياسة ثابتة للولايات المتحدة الأمريكية خاصة والدول الغربية عامة، من خلال مساعدتهم على فرض رغباتهم على العرب في المرحلة السلمية الراهنة وحمايتهم من العقاب الفعلي والجدي لجرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان والتعدي على الشرعية العربية منذ عام 1948 وحتى الآن، وهذا الموقف الداعم لهم أكسبهم تعزيزاً لسلوكهم العدواني المترسخ، وسمة أساسية في تعاملهم مع العرب وحتى في الشرعية الدولية.
إن هذا التركيب المعرفي الإرثي العنصري العدواني للحكام الصهاينة داخل “إسرائيل” وخارجها والمعزز بقوة عسكرية وبنفوذ سياسي هائل في الأوساط صانعة القرار الأمريكي، خلف سمات وخصائص سيكولوجية على درجة كبيرة من الخصوصية والتميز نوجزها بالتالي:
1- مشاعر التفوق والنزوع العدواني في الوصول إلى الأهداف لدرجة الهواجس المرضية.
2- ذهنية صلبة تتمحور حول تركيب نرجسي مفرط في الاستقطاب نحو الذات أو الأنا.
3- فقر عاطفي شديد إزاء القضايا الإنسانية عموماً.
4- تقوقع عنصري وتلاحم كجماعة أو عرق خاص خلق استقطاباً غير منفتح على المجتمعات التي عاشوا فيها عبر تاريخ تواجدهم فيها، فأوجد فيهم هذا السلوك العدواني الذي يستهدف التخريب الأخلاقي والهيمنة السياسية والاقتصادية للمجتمعات والرامية إلى خدمة أهدافهم والمجردة من الطابع الإنساني وتسخير سياسات الدول لغلبة مطالبهم وطموحاتهم.
5- سلوك الابتزاز والترهيب والإرهاب الفكري والسياسي في حل مشكلاتهم وصراعاتهم مع الأمم التي تتصادم معهم وتكون ضحية لمطامعهم السياسية، وعدم الإيمان بالمواثيق والمعاهدات واتخاذها كوسيلة لحل مرحلي، وكذلك خلوهم من مفهوم الإنسانية عقيدة وسلوكاً.
من هذا كله يتضح لنا أن المراهنة على السلام مع “إسرائيل” تبدو محفوفة كثيراً بمخاطر الخسارة والفشل لجهة تحقيق السلام العادل المتكافئ الدائم الذي ترنو إليه البلدان العربية.
كاتب وأكاديمي عراقي