الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
على مرّ الزمان كان لدى المرأة هاجس الحصول على حقوقها واستحقاقاتها، فتشكلت حركات في القرن التاسع عشر تطالب بحقوقها، فأعطتها بعض البلدان حقوقها بالمقابل هناك دول سلبتها أدنى حقوقها وعاملوها كسلعة، فكان للمترجم والباحث “محمد الدنيا” محاضرة قيمة بفرع حمص لاتحاد الكتاب بعنوان ” النساء في شرق الرافدين القديم” تطلعنا عن ماض مشرق أعطى المرأة حقوقها أحياناً سنجتزئ بعضها:
يقول الدنيا: في الواقع منذ وقت مبكر من تاريخ بلاد الرافدين عمل الحكام والمصلحون على تنظيم العائلة ووضع الضوابط لعلاقات أفرادها بعضهم بالبعض الآخر، وأصدروا بهذا الصدد قوانين تنص على حقوق المرأة، التي كانت في تلك الأزمنة ذات شخصية مالية مستقلة، فلها أن تمتلك الأموال المنقولة وغير المنقولة، وتتصرف بها وفق مشيئتها، وقد تُصبح تاجرة أو مرابية أو بائعة خمر، وكانت تركتها تؤول إلى أبويها إن لم يكن لها أولاد يرثونها. وكان لها حق الزواج مرة ثانية في حالات معينة، وتقلدت وظائف قضائية وإدارية مختلفة، ولها حق التقاضي ولو ضد زوجها، ولها حق الإدلاء بشهادتها أمام القضاة بشكل متساو مع الرجل، لكن إلى جانب ذلك فرضت عليها واجبات والتزامات تأتي في مقدمتها المحافظة على بيت الزوجية، وعدم الإخلال بسمعته، إذ نصت إحدى مواد قوانين ” إشنونا ” البابلي على طرد الزوج من بيته وخسران أملاكه المنقولة إن هو أراد تطليق زوجته وأم أولاده بسبب عشيقته، في حين نص قانون حمورابي على حق الزوجة في طلب الطلاق من زوجها إن تكرر خروج الزوج من بيته وإتيانُه أعمالاً تحط من سمعته وسمعة زوجته، لكن كان على الزوجة أن تحافظ على سمعتها وحُسن سلوكها ولا تؤتي ما يُغضب الزوج أو يحط من كرامته وإلا وقعت تحت طائلة القانون، فإما أن تُطلق أو أن تُعاقب بعقوبة قاسية قد تصل إلى حد الموت، ولم تكن هذه العقوبة الشديدة تطبق على الزوج.
وأضاف: مارست المرأة في المجتمع الرافديني العديد من الأعمال، إذ كان من اللافت في هذه الحضارة تميزُ المرأة في مهنة الكتابة، ولم يكن التعليم مقتصراً على الذكور، بل شمل الإناث كذلك، ولكن لم يكن عدد الإناث من الكاتبات كبيراً مقارنة بعدد الذكور، ويعود ذلك إلى أن الواجب الأساسي للمرأة في هذا المجتمع هو الإنجاب وتربية الأولاد داخل نطاق البيت، هذا فضلاً عن إحجام الكثير من الأسر عن إرسال بناتها للتعليم بسبب تكاليف وأجور الدراسة، فقد وجد في النصوص أن معظم الكاتبات ممن استطعن التعلم كن من الأسر الغنية وبنات الطبقات المتنفذة في المجتمع ومن بنات الموظفين في القصور والمعابد، وفي أكثر الأحيان كن من بنات الكتبة.
ومن المهن الأخرى التي مارستها النساء العزفُ والغناء، فقد عكست الأختام واللقى الأثرية وكتابات الرُقم الطينية مشاركتهن في العزف والغناء على الآلات، وكانت هذه المهنة تُعد من المهن الراقية.
ووردت إشارات في بعض الرقم إلى تخصص مجموعة من كاهنات المعابد في الرثاء، والنواح على المتوفين بمصاحبة الآلات الموسيقية، والعزف الحزين. ومن المهن التي مارستها المرأة أيضا إعداد الجعة وبيعها، إذ ذكرت بائعة الخمر بشكل صريح في قانون حمورابي.
مارست النساء أيضاً مهنة الخياطة والخبازة مقابل أجور معينة تُدفع لهن، ومهنةَ الحياكة، وبدا أن معظم العاملات كن من الإماء وأولادهن اللواتي يعملن في مصانع النسيج التابعة للقصر أو المعبد، أو ورش خاصة كان يملكها الأغنياء وذوو النفوذ في الدولة.
وكانت المرأة في بلاد الرافدين أحياناً “أمَة” تُعامل كسلعة تجارية يُمكن بيعها وشراؤها وإيجارها واستئجارها ومقايضتها ورهنها، وحتى وراثتها وإهداؤها، بل إن كن يشتغلن في الحقول فإنهن يُبَعن بالجملة مع الأراضي التي يعملن فيها، ولم يراع المجتمع العلاقات العائلية عند بيع العبيد في بعض عهود ذلك الزمن، فكانت الزوجة تباع دون زوجها، والأولاد دون والديهم، وكان ثمن الرجل عادة أكثر من ثمن المرأة والطفل.
وقد ورد في المحاضرات معلومات تميزت بالتشويق والإثارة وجذب الحضور للمتابعة.