الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
إنه ذلك الوقت من العام الذي تلوح فيه ذكرى مخيبة للآمال على الفلسطينيين، فقبل ثلاثة وسبعين عاماً، في 11 كانون الأول 1948 ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194. لقد كان ذا أهمية قانونية وأخلاقية هائلة، حيث كرّس حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم أو التعويض عن خسارة ممتلكاتهم بعدما شردوا من وطنهم بسبب إنشاء “إسرائيل”.
أعادت الأمم المتحدة التأكيد على القرار 194 كل عام منذ عام 1949، مما يشهد على أهميته المستمرة، ولكن للأسف لم يتم تطبيقه أبداً، وذلك بفضل معارضة “إسرائيل ” الشرسة وتقاعس الغرب عن العمل.
منذ البداية، أدركت الأمم المتحدة مخاوف “إسرائيل ” بشأن عودة اللاجئين، وقد بذلت جهداً لاستخدام لغة حذرة في صياغتها للقرار، ولكن، وعلى الرغم من وجود إجماع دولي واضح على الحق القانوني والإنساني المطلق في عودة الأفراد دون شرط أو تحفظ ، إلا أنه كان هناك تعنت إسرائيلي بشأن حق العودة للفلسطينيين.
وكانت العواقب مدمرة للغاية للشعب الفلسطيني، فكل المصائب التي حلت بهم منذ عام 1948 يمكن ربطها بالحرمان من حقهم في العودة. لو تم السماح بذلك، لما كان هناك لاجئ فلسطيني (أكثر من خمسة ملايين مسجل لدى الأمم المتحدة اليوم)، أو مخيمات لاجئين (يوجد منها حوالي خمس عشرة). كما أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي أُنشئت خصيصاً لرعايتهم في عام 1949 ، لم تكن لتوجد أبداً. ولن يضطر أي فلسطيني إلى تحمل مأزق انعدام الجنسية، أو أن يوصف بأنه ” إرهابي” لممارسته حقه المشروع في مقاومة حكم “إسرائيل ” القمعي.
ولن تكون غزة تحت حصار غير إنساني لمدة 14 عاماً، ولا نهاية مُتوقعة لهذا الحصار في الأفق. والفلسطينيون الذين لجؤوا إلى بلدان المنفى لم يعد من الضروري معاملتهم كأعباء أو مواطنين من الدرجة الثانية. كانوا سيحتفظون بكرامتهم واحترامهم لذاتهم، وهم يعلمون أن لديهم وطناً خاصاً بهم.
كما لم يكن الفلسطينيون سيعانون من الآثار النفسية والاجتماعية للنفي، فقد كانت بلدهم قبل عام 1948 مجتمعاً متماسكاً، له عاداته وأعرافه الخاصة، تم تحطيمه بشكل كامل من قبل “إسرائيل”.
والأسوأ من ذلك ، شرعت “إسرائيل ” في محاولة محو كل آثار الوجود الفلسطيني في الأرض التي احتلتها. هدمت مئات القرى، واستبدلت أسماء الأماكن العربية بالعبرية، كما تم الاستيلاء على جوانب الثقافة الفلسطينية على أنها “إسرائيلية”.
كيف يمكن لشعب مشتت حول العالم لعقود أن “يعود” إلى فلسطين المتغيرة؟، في كل مكان من المنفى، كانت هناك تغييرات في الثقافة والعادات ونمط الحياة، فقد تتعرف الأجيال الشابة على محيطها الحالي أكثر من فلسطين. كيف ستتعلم هذه المجتمعات المتباينة العيش معاً مرة أخرى؟ لطالما كانت العودة موضوعاً مشتركاً وحّد شعباً مشتتاً. لكن إذا عادوا، فما هي الفكرة الموحدة التي ستحل محلها؟، أي نوع من فلسطين، مع أي نوع من الحكم والأعراف الاجتماعية، يريد العائدون العيش فيها؟، لو بقي الفلسطينيون في وطنهم، لما واجهوا كل هذه الأسئلة الصعبة على الإطلاق.
لقد كان حرمان الفلسطينيين من حق العودة جريمة كبرى مثل جريمة النكبة، حيث بدأ الأمر بإهمال متعمد فيما يتعلق بقبول “إسرائيل” في الأمم المتحدة في عام 1949. كانت وجهات نظر “إسرائيل” ، في ذلك الوقت كما هو الحال الآن، هي أن مشكلة اللاجئين ليست من صنعها ، وأنه يجب إعادة توطين اللاجئين في الدول العربية المجاورة، وأنها لن تعرض التعويض.
من حيث المبدأ، وافقت “إسرائيل” على شروط عضويتها في الأمم المتحدة في الالتزام بالقرارات، لكنها في الواقع تصرفت بما يتعارض مع هذه الشروط. والمثير للدهشة أن الأمم المتحدة ما زالت تعرب عن رضاها وتعترف “بإسرائيل” كدولة عضو. وبهذا الاعتراف تم ارتكاب إحدى الخطايا الأصلية ضد الشعب الفلسطيني. يجب أن يؤدي عدم امتثال” إسرائيل” لشروط عضويتها في الأمم المتحدة في نهاية المطاف إلى إلغاء تلك العضوية، وتوفير بعض العدالة للأشخاص الذين طالت معاناتهم والذين تم نفيهم من وطنهم دون أي ذنب.
المصدر: Middle East Eye