الثورة – فؤاد مسعد:
مؤلمة هي الخسارات التي لحقت بالمشهد الفني السوري هذا العام ، فقد رحل فرسان كبار في عالم الإبداع أثروا الحياة بعطائهم، هو رحيل مُسجى في القلوب بطعم العلقم، فما أشد الحزن عندما يترجل كبار كانت لهم مواقفهم ورؤاهم في المجتمع وسطّروا في الذاكرة الجمعية أعمالاً لها لونها المختلف وخصوصيتها التي لا تُمحى في الحراك الإبداعي، تاركين بصمتهم على جدار الزمن إبداعاً وجمالاً ورؤى فكرية وبصرية حفرت عميقاً داخل كل منا في القلب والوجدان، ويبقى لهم مكان في قلب وذاكرة من الصعب أن يناله الصدأ يوماً مهما مرت عليه السنون، وعبر السطور التالية نمر على عدد من المبدعين الذين رحلوا هذا العام فنال الموت منهم جسداً ولكنه عجز عن النيل مما سطروه من أعمال كتبت في سجل تاريخ الخلود بماء من ذهب.
صوتان دخلا إلى عمق القلب والوجدان رحلا عن عالمنا هما صباح فخري وميادة بسيليس، حيث ترجل صنّاجة العرب صباح فخري عن صهوة جواده في الثاني من تشرين ثاني تاركاً وراءه إرثاً غنياً متجذراً في عمق الأصالة، وهو المبدع الذي ظهر في زمن عمالقة الغناء في الوطن العربي واستطاع أن يحفر لنفسه مكاناً متقدماً ويكون أحد العمالقة الكبار ويعتبر من القلائل الذين وصلوا إلى القمة واستطاعوا المحافظة على عرشهم فيها ممتلكاً القدرة على التمازج بين الأصالة والتراث والمعاصرة.
أما الفنانة ميادة بسيليس فقد رحلت في السابع عشر من آذار بعد رحلة صامتة ومؤلمة مع مرض خبيث عجز عن سرقة ابتسامتها وقوتها خلال معركتها معه، هي الصوت الملائكي الدافئ الذي تسلل إلى عمق أرواحنا، قاسمتنا أفراحنا وأحزننا وآلامنا وحلّقت بصوتها العذب الأصيل الصافي عبر أغانٍ مُشبعة بالمعاني والمشاعر قدمتها بملء الإحساس ملامسة من خلالها عمق الروح والوجدان حاملة في قلبها فيضاً من الإنسانية والنبل والشفافية والنقاء، اختارت الطريق الصعب في الغناء متجنبة السائد على الساحة، كانت مسكونة بشغف لا ينتهي عاشته حتى في لحظات الألم والمرض.
ثلاثة ممثلين من الطراز الرفيع افتقدهم جمهورهم والوسط الفني هذا العام (زهير رمضان، أحمد منصور، فاروق الجمعات)، ففي السابع عشر من تشرين الثاني غيّب الموت الفنان زهير رمضان بعد مسيرة حياة حافلة بالعطاء، هو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية وقد انتخب لمنصب نقيب الفنانين السوريين عام 2014 وأعيد انتخابه عام 2020، كما انتخب لعضوية مجلس الشعب عام 2016، وسبق أن شغل منصب مدير مديرية المسارح والموسيقا، وقد سعى لأن يعكس ثقافته وروحه وفكره وآلية تعاطيه مع الحياة عبر ما قدم من أعمال، أما الفنان أحمد منصور فقد توفى عن عمر يناهز الثمانين عاماً في التاسع عشر من نيسان وفي جعبته عدد كبير من الأعمال التي حفرت في الوجدان والذاكرة، عشق الفن منذ الصغر حتى إن أول دور قدمه كان في الصف الرابع الابتدائي عام 1953، واستطاع في الثلاثينيات من العمر نيل جائزة أفضل ممثل في سورية لعامي 1973 و1974، شارك في عدد من المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية.
في حين أن الفنان فاروق الجمعات قد توفى في الحادي عشر من أيلول عن عمر ثلاثة وستين عاماً وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، عمل في المسرح القومي وشارك في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية والإذاعية، وله مساهمات ضمن إطار التأليف والشعر، برز في العديد من الأدوار المتنوعة وخاصة البدوي والتاريخي منها، كما حقق حضوراً عبر أعمال في مصر (اسمهان ، فرقة ناجي عطالله).
ستيلا خليل فنانة روسية الأصل متخصصة وخبيرة في الماكياج وتصميم الملابس للأعمال الفنية، توفيت في الأول من شهر أيلول واسمها الحقيقي (ستيلا توميلوفتش) وعرفت باسم ستيلا خليل نسبة إلى زوجها، كما قامت بتدريس مادة تصميم الماكياج في المعهد العالي للفنون المسرحية، واعتبرت واحدة من أهم وأمهر من عمل مكياج الأعمال الدرامية.
أما مصممة الأزياء لاريسا عبد الحميد فقد توفيت في السابع عشر من آذار، وقد عملت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مصممة للأزياء في المسرح القومي وفي فترة لاحقة مدرّسة للرقص الكلاسيكي في المركز الثقافي الروسي في دمشق، كما كانت مصممة أزياء في العديد من أفلام المؤسسة العامة للسينما