هل العالم يريد فعلاً القضاء على الجوع -كما يدّعي- في المؤتمرات الأممية التي تعقدها منظمة الأمم المتحدة وتحشد لها خبراء ومختصين من مختلف أنحاء العالم وتنفق عليها ملايين الدولارات وتعد التقارير بمئات الصفحات ترصد انعدام الأمن الغذائي لدى مئات الملايين من البشر؟
سؤال قد يكون من الصعب على المشاركين في تلك المؤتمرات طرحه لأن الإجابات الصريحة عنه ستقود إلى جواب واحد .. العالم غير جاد أصلاً في محاربة الفقر والجوع، وهناك دول كبرى تعمل على مفاقمته والتسبب به عن سابق إصرار وتصميم.
يقول تقرير الأمم المتحدة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021 :إن 12% من سكان العالم ما يعادل( 928 مليوناً) عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد (الجوع) عام 2020 بزيادة 148 مليوناً عن عام 2019، توزع أغلبهم على قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وقراءة بسيطة لتوزع جغرافية الجوع في العالم (أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية) تعطي مؤشراً واضحاً أن معظم الدول الغربية الاستعمارية التي نهبت ولا تزال موارد الشعوب والدول الأخرى هي إلى حد كبير خارج مناطق انتشاره، لماذا؟ على معدي تقرير الأمم المتحدة الإجابة إن كانوا يريدون فعلاً القضاء على الفقر، وعليهم ألاّ يتحفوننا بالحديث عن الديمقراطية والمساواة والعدالة كسببٍ للخروج من دائرة الفقر والجوع وإن كانت مسارات تساعد فعلاً.
التقرير يقول :إن العالم ليس على المسار الصحيح الذي وضعه للقضاء على الفقر والجوع بحلول عام 2030، لكن السؤال الحقيقي: متى كان العالم على المسار الصحيح؟ وهو ينفق آلاف المليارات على الحروب وتصنيع السلاح مقابل الفتات على الأنظمة الصحية والغذائية؟
وإن كان التقرير توقف عند أسباب الفقر والجوع ووضع في رأسها النزاعات وتقلبات المناخ وحالات التباطؤ والانكماش الاقتصادي بسبب جائحة كورونا، لكنه لم يتوسع في دور الحروب والحصار في التسبب بالجوع والفقر وتدمير الموارد الغذائية كما يحصل في سورية واليمن وليبيا والسودان وفنزويلا وأفغانستان وغيرها من الدول التي شنت عليها الدول الغربية الحروب وأثارت فيها الفوضى وفرضت عليها الفقر والجوع بعدما كانت مكتفية اقتصادياً وغذائياً.
صحيح أن التبدلات المناخية والاحتباس الحراري تؤثر سلباً في توفير الغذاء، وهذا لمسناه في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، لكن تبقى الحروب التي تشنها الدول الغربية والحصار الاقتصادي الذي تفرضه على الدول الأخرى هي السبب الأساس في تدمير النظم الغذائية للدول وبالتالي تعد المسبب الأول للأزمات الغذائية في العالم.
ولمن لا يعلم فإن سورية كانت من أكثر الدول اكتفاء ذاتياً بالغذاء وكانت من أولى دول العالم في تحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها وتأمين الرعاية الصحية المجانية لهم، لكنْ عشر سنوات من حرب مدمرة شنت عليها وحصار جائر فرض على شعبها، قضت على معظم الموارد الزراعية والصناعية وبالتالي قضت على الأمن الغذائي في البلاد.
إذ تشير نتائج مسح الأمن الغذائي لعام 2015 الذي قدمته الحكومة السورية للأمم المتحدة إلى أن نسبة الأسر السورية الآمنة غذائياً بلغت 16 % فقط، فيما تجاوزت نسبة الأسر المعرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي 51% ، وبلغت نسبة الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي نحو 33% من الأسر السورية بحسب المسح.
ولا يختلف الأمر كثيراً في اليمن والعراق وليبيا وتونس والسودان وإيران وفنزويلا، فجميع هذه الدول لولا الحروب الغربية ضدها والحصار لكانت نسبة الأمن الغذائي فيها أضعاف ما هي عليه الآن رغم التبدلات المناخية وتداعياتها السلبية.
وحروب المياه التي نراها في إقامة السدود على الأنهار العابرة من دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعوب الأخرى كما يفعل النظام التركي على نهري دجلة والفرات وحرمان الشعبين السوري والعراقي من حقوقهما في مياه النهرين والإضرار بالأراضي الزراعية في البلدين، وكذلك ما تشهده المشاحنات المصرية الأثيوبية بخصوص سد النهضة الإثيوبي على النيل، هي أحد أشكال الحرب على الغذاء، وهي تصرف مناقض للمسار الذي تتحدث عنه الأمم المتحدة وتدعو لسلوكه.. لكن المنظمة الدولية تغيب كلياً عن المشهد وليس لها أي دور في تقديم الحلول لهذه الحروب.
وإذ يخلص معدو التقرير الأممي إلى أن القضاء على الفقر لن ينتهي عام 2030 كما وضعت الأمم المتحدة في خطتها، نقول لهم: إن الهدف لن يتحقق خلال ألف عام قادمة مادامت هناك دول تشن الحروب وتسرق موارد وثروات غيرها من الدول، وهي غير معنية سوى بافتعال الحروب لتسويق الطائرات الحربية والصواريخ والقنابل بأشكالها وأنواعها المتعددة ولا يعنيها من الغذاء سوى حجم الربح والهيمنة على الأسواق العالمية.
مسار القضاء على الفقر في شكله الراهن ليس سوى وهم يضاف إلى الأوهام التي تسوقها المنظمة الدولية كالحد من انتشار الأسلحة النووية مثلاً، وهي في أحسن الأحوال “نكتة سمجة” لا تضحك أياً من ملايين الفقراء والجوعى في العالم.
إضاءات- عبد الرحيم أحمد