ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم :
تغلق الجولة الثانية من جنيف2 ملفاتها على ما بدأت به، والبعض يرى أنها عادت إلى ما قبل المربع الأول، وأن ما كان -في الجولة – الأولى بصيص أمل في نهاية النفق، تحوّل إلى سراب في نهاية الثانية،
ولا يتردد في التدليل على ذلك بما شهدته من تراجع عن النقاط التي اعتقد الكثيرون أن المؤتمر تجاوزها في الجولة الأولى.
ومع إغلاقها يتحوّل الهمس المتداول في أروقة العواصم العالمية إلى تصريح علني, والمواقف التي احتاجت غرفاً مغلقة لإدارة الخلافات الواضحة بينها باتت تُقال على المنابر علناً، والتباينات الجوهرية والمسكوت عليها بالتوافق خرجت إلى التداول العلني، بانتظار أن تعيد تظهيرها حلبة المجابهة في قاعات مجلس الأمن على وقع التلويح المتبادل والرسائل الساخنة المتواترة بين الروسي والأميركي.
ما هو مؤكد أن القاعات السويسرية لم تتسع لجبهات المواجهة المعلنة منها والخفية، ولم يكن بمقدورها أن تستوعب ذلك الكمّ من ملفات المجابهة التي تراكمت في نهاية المطاف، وبات من المحسوم نقلها إلى نيويورك وربما خارجها، لخوض جولة صراع بين الإرادات الدولية التي تتهيأ لإعادة مراجعة ذاتية وموضوعية لأوراق القوة.. الفائض منها والمستهلك، على حدّ سواء.
وهذا ما يوضح الكثير من تفاصيل الاستنتاجات التي أثارتها تسريبات الاجتماع الثلاثي الذي شهد حلقات المواجهة التمهيدية، وإن كان من الصعب عليه أن يقدم لائحة أولية بامتداداتها اللاحقة على مستويات العمل المستقبلية بين الراعيين الفعليين لمؤتمر جنيف، حيث تشكلت نقاط تمترس إضافية بعد أن شهدت الأيام الأخيرة اشتعالاً مزدوجاً لجبهات جديدة، وافتعالاً أميركياً متعمداً لمعارك جانبية بهدف التغطية على فائض النفاق في مقارباتها داخل وخارج جنيف، ولم تتأخر أوامر فورد بالتصعيد وتحديداً ماسماه «الجبهة الجنوبية» بعد فشل قصاصاته المعلبة في نسف المؤتمر.
وإذا صحّت التسريبات عن صدمة الإبراهيمي من الموقف الروسي، فإن المبعوث الأممي ليس خارج دائرة التجاذبات بحكم الخروقات التي أقدم عليها في غير مكان وبحكم خروجه عن مهمته روحاً ونصّاً، وهذا يرشّح مقارباته وتقريره وإحاطته لمجلس الأمن لأن تكون أيضاً في عداد الملفات التي ستشعل حلقة التجاذب بين الإرادات الدولية، خصوصاً حين تقترن بنماذج سابقة لم يكن فيها الإبراهيمي منصفاً ولا نزيهاً ولا حيادياً بطبيعة الحال.
ما تضيفه الخلاصات الأولية إلى الاستنتاجات السابقة يكاد يجزم باستحالة أن تُبصر جنيف جولة أخرى قبل أن تحط المجابهة القائمة رحالها وتستقر على ضفة محددة، وقبل أن تبرد جبهات الاشتعال المتنقلة أو أن تنطفئ، وقبل أن يتم التوافق على التسليم بنقاط الربح والخسارة في المجابهة الساخنة.
لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن العودة إلى نقاط الاشتباك ذاتها يفرض بالضرورة أن تكون المعطيات السابقة لجنيف2 هي ذاتها ما بعده، ولا يعني بأن لا متغيرات ولا تراكمات في الأوراق قد تمت، بقدر ما يؤكد بالدليل القاطع أن ما قبلها لا يصلح لما بعدها، ولا يشبهه، وما أضافته في جولات نزالاتها السياسية والدبلوماسية لا بدّ من تحبير إحداثياته على خارطة بساط الحلبة الأممية.
وريثما تكتمل الحلبة وتستكمل خارطة الإحداثيات الجارية في المواقف والنفوذ والمجابهات والجبهات تحبير ما استطاعت أن تلتقطه، ينجز السوريون الأرضية الفعلية لخطواتهم اللاحقة التي لا تتوقف عند هرطقات السياسة، ولا حملات النفاق الموازية لها، وقد حققوا ما يكفي من عوامل الثقة، وجمعوا ما يفيض عن الحاجة من قرائن وأدلة وثّقتها مداولات جنيف في نهاية المطاف، ليقولوا كلمتهم على بساطهم وداخل حلبتهم، ويثبتون إحداثيات ما أنجزه الجيش العربي السوري، وما انتزعه الموقف السياسي السوري من نقاط إضافية على بساط المجابهة الدبلوماسية في محافل الغرب والشرق.
a.ka667@yahoo.com