الثورة – عمار النعمة:
ربما هو من الشعراء القلائل الذي أجمع المشهد الثقافي والإعلامي برمته على محبته… فما أن تلتقيه تدرك مدى دماثته وكرم ضيافته وتواضعه وثقافته اللامحدودة.. هو صاف كقطر الندى، يحمل قلباً محباً وصافياً، لكن لا يهدأ حين يسمع ما يستفزه… إنه الشاعر والمناضل الفلسطيني خالد أبو خالد الذي رحل عن دنيانا بعد مسيرة حافلة في النضال والشعر والأدب.
عرفته منذ عام ٢٠٠٧ عندما حاورته على هذا المنبر الذي نعتز به حتى يومنا هذا فقال لي آنذاك: علاقتي مع جريدة الثورة قديمة جداً فأنا كتبت فيها عدة زوايا ومن هذه الزوايا أستطيع القول إنني تعلمت الكتابة في الصحافة.
خالد أبو خالد نذر عمره في الدفاع عن الحق، ولد في فلسطين عام 1937, التحق بصفوف المقاومة ومارس الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني.
في عام ٢٠١٨ وبعد أن تعرض لوعكة صحية خارج البلاد عاد أبو خالد إلى دمشق ليستقبل في منزله الخشبي المعتق بالفن وروح الأصالة في حي المزة أحبابه وأقاربه وأصدقاءه. اتصلت به للاطمئنان عليه فقال لي مبتسماً وبصوته الأجش المميز: أهلاً عمار الثورة (تيمناً بأنني أعمل في جريدة الثورة) أنا في انتظارك.. ذهبت إليه وحاورته للمرة الثانية رغم آثار المرض التي كانت واضحة عليه، فهو الذي أصر أنه لا يمكن أن يرفض حواراً مع جريدته التي أحبها وكتب بها.
حينها سألته عن العدوان الغاشم على سوريتنا فقال: سورية البلد الوحيد الذي صمد في هذا الصراع والذي أبقى على المنطقة, سورية في التاريخ كما في الجغرافيا عالم أسس عوالم ولهذا شنت الحرب عليها.. هذه الحرب مختلفة عن الحروب التي نعرفها, فهي حرب إبادة العقل والناس ومن هنا تكالبت كل الدول على سورية, والرجعية العربية أرادت أن تثأر منها لأنها عندما وقفت وتقف في مواجهة العدوان التاريخي المستمر في المنطقة تُلحق الذل بالعملاء الذين ارتبطوا بهذا العدوان, ولذلك كان لا بد من دمار سورية, ولكي تدمر سورية لا بد من تدمير محيطها فبدأت الهجمة على المنطقة وبدأ تمويلها يكبر ويكبر لدرجة أن هناك من أتخم ثراء وهناك من أفقر إلى القاع.
وأضاف: سورية أم الجميع وأفق الجميع وعندما تنتصر لا تنتصر لنفسها بل تنتصر للمنطقة والعالم والإنسانية, سورية تقاتل وحدها.. صحيح أن لدينا حلفاء لكن كل الدعم يمكن أن يكون لا قيمة له.. إلا إذا كانت سورية قادرة على استيعابه واستثماره وجعله فعالا في أرض الصراع.
هكذا هو أبو خالد أحب سورية حتى النخاع كما أحب فلسطين ودافع عنها في سني الحرب، فهو أسهم في فضح طبيعة الأزمة، كتب عدداً من القصائد الهامة والتي تندرج ضمن إطار قصائد المرحلة, بمعنى أنها القصائد التي تؤثر على ما يجري وتحاول أن تحدث نوعاً من التوازن مع الحدث.
أنجز عملاً شعرياً بعنوان (من كتاب الشآم) ومن كتاب الشآم هي قصيدة المرحلة ليس فيما يتعلق بسورية فقط, وإنما بالمنطقة ككل فهو يقول: (ليس ما لنا نحارب عنه سواها الشآم الشآم الشآم…) ويقول أيضاً: نشيد موطني نشيد فلسطين الذي كتبه ابراهيم طوقان عندما اسمعه في الشام أردد: موطني موطني موطني يا نشيد فلسطين تحت قباب الشآم حماة الديار عليكم سلام.
رحل أبو خالد رجل الأدب والشعر والسياسة، ابن الكلمة والحياة والمواقف الثابتة، رحل صاحب الإرث الثقافي المخلص لسورية والذي لم يخف الموت يوماً لكنه وضع عنواناً: إذا متّ ادفنوني في دمشق لأن دمشق هي القلعة والحاضن وهي التي سترفع رايات النصر, وأنا يشرفني كثيراً كمناضل وشاعر أن أدفن فيها وتحت سمائها كي أنقل في غدٍ إلى فلسطين… بالطبع دون أن أفرق بين فلسطين وسورية.
خالد أبو خالد أرقد بسلام فراية الحق التي رفعتها منذ عقود ستبقى، ونور الكلمة المخلصة ما زالت تتصدى للظلاميين… أرقد فسورية التي أحببتها انتصرت بفضل رجالها البواسل وصمود أبنائها الذين تربوا وتعلموا وقدموا للعالم كله أمثولات… كيف يكون معنى النضال والصمود والانتصار.