الثورة – أديب مخزوم:
تشكل لوحات الفنان فيصل إبراهيم مدخلاً لاستشفاف جوهر وتقنيات الرسم السوريالي الدقيق، الأكثر غموضاً وغرابة ورؤى حلمية لا شعورية، تشكل بالتالي عملية استرجاع لأحلام غير مرئية، مكشوفة على تداعيات معطيات اللاشعور، الذي يسكن الداخل وهو ما يسمى بالأحلام القادمة من معطيات الذاكرة الداخلية اللاواعية.
هكذا يمكن التماس عوالم الأحلام والرؤى (الفانتازية) في لوحاته التي تسجل عوالم أحلامه السوريالية، وتشكل عودة تاريخية إلى أجواء معطيات الرؤى الهاذية، التي صاغت المناخ السوريالي، الذي اعتمد في بداية انطلاقته الفنية عام 1924 الأسلوب المسرحي الخيالي، وتشابك الصور الحليمة (بالأخص في أعمال زعيم السورياليين الراحل سلفادور دالي).
وفيصل إبراهيم – شأنه شأن مجمل الفنانين السورياليين – يريد في تعلقه النهائي بمساحات هذيان تداعيات الحلم، الاسترسال في توليف كوابيس الواقع، باحثاً عن عنف الرؤية التي تبرز كرواية مجنونة، لا معقولة، تحير وتدهش بمشاهدها اللامعقولة، المفتوحة على عالم غريب يعكس رؤاه وتداعيات أحلامه، وسخريته من واقع متأزم ومتناقض ومتصادم.
كأن اللامعقول الذي يجسده في لوحاته يرتبط في رموزه وعلاماته الإيحائية بتناقضات الواقع الراهن المأساوي والمفجع، أو بكوابيس الحروب المعلنة والمؤجلة. حيث يقوم بتوليف أشكاله الغرائبية، ضمن منظر أو مشهد طبيعي في أغلب الأحيان للكشف عما يجري وراء المظاهر الطبيعية للأشكال، دون أي عائق وبلا رابط منطقي، بين الواقع واللاواقع.
ولم تكن لوحات فيصل إبراهيم مجرد رؤى غرائبية تعبر عن تداعيات معطيات اللامعقول فحسب، بل شكلت رؤى فنية خاصة تكاد تشبه في فصول تحولاتها حكايات الأحداث الجسمية المتتالية والغريبة، التي نعيش فصولها من دون أن ندرك تحليل ألغازها، تماماً كلوحاته التي تأخذ تفسيرات وإيحاءات ودلالات كثيرة غير متناهية.
وفي لوحاته ملامح كثيرة من هذه الإشارات التي تبحث عن دلالات تعبيرية مأساوية تتوالد من سياق الأشكال الإنسانية المثبتة بالمسامير أو المعلقة في الفضاء، كل ذلك يزيد في دلالات الإنسان المهمل والمسحوق والضائع والبائس، كأن لوحاته تشكل امتداداً لمواقفه المستمدة والمتفاعلة مع مؤثرات الواقع المأساوي الذي نعيش فصوله اليومية.
وفي خطوات التعبير عن تداعيات أحلامه السوريالية، يرسم بدقة متناهية، مستعيداً تقنية المقدرة الكلاسيكية في أبراز تدريجات الظل والنور، والتفاصيل الدقيقة، أي أن سورياليته تعتمد بالدرجة الأولى على الحفاظ على التقنية الكلاسيكية، في توليف وتشكيل أحلامه الخيالية، ورموز عوالمه وأحاسيسه الساخطة والممزقة والمسحوقة بأهوال وكوابيس الحروب، عبر أشكاله المتناقضة التي تكشف عن تناقضات الحياة والموت، والماضي والمستقبل.
وهو يرفض اتجاهات الرسم العفوي (رغم أنه مر بمرحلة مغايرة اتبع فيها طريقة وضع اللون العفوي باستخدام سكين الرسم الحادة) ويركز على طريقة الرسم بلمسة لونية واعية وهادئة، تعطي أولوية للنمنمة التفصيلية، إلا أنه يعمل لتأكيد مظاهر الانفلات من أجواء لوحات الفنانين القدامى، من خلال جنوحه نحو إضفاء الرموز، مازجاً بين الحركة الدرامية المعبرة عن تداعيات معطيات اللاشعور، كل ذلك في خطوات الوصول إلى المدى التشكيلي الغرائبي الحديث، المكشوف على بانورامية معطيات اللاشعور السوريالي.
هكذا يجنح في لوحاته نحو إيقاعات الغرابة، ويقوم بتوليف وترويض وتكييف أشكال الواقع، متبعاً تجليات وتداعيات الحركة الداخلية، والكشف عما يمكن أن يجري في الأحلام أو في معطيات الذاكرة اللاواعية، لتعميق الشعور باللاوعي التشخيصي لروائية الأحلام، في تعلقها اللانهائي بمساحات الحلم، والوصول إلى أقنعة اللغز أو الحلم الخيالي السوريالي. وهذا يعني أن مخيلته تضج بالرموز والأشياء المبهمة، التي نشاهدها في الأحلام، ويريد التعبير عنها بكامل مساحة اللوحة، لتعميق إحساسه برؤى الأحلام القادمة من الذاكرة اللاواعية أو الذاكرة الداخلية التي وضحها “فرويد” في كتاباته وأقواله.
يذكر أن فيصل إبراهيم يهتم بالفلسفة التي تركت تأثيرات جوهرية على لوحاته، ولقد درس الكهرباء والحقوق، وعرض لوحاته منذ عام 1994 في بانياس وطرطوس ودمشق.