الثورة – سيرين المصطفى:
كسر الرئيس أحمد الشرع الصورة النمطية المتداولة عنه، وخاصة تلك المتعلقة بموقفه من المرأة، والتي سادت قبل توليه الرئاسة، حين وُصف بأنه “متشدد ومتخوف من تحرر المرأة وظهورها في الفضاء العام”، لكن الواقع بعد توليه الحكم أثبت عكس ذلك، إذ تبنّى خطاباً وسلوكاً يُعيد رسم العلاقة بين الدولة والمرأة، ليس فقط بوصفها فرداً في المجتمع، بل باعتبارها شريكة حقيقية في النضال وصناعة القرار وإعادة البناء بعد الحرب والانقسام.
في تحول لافت ضمن المشهد السياسي والاجتماعي السوري، اتجه الرئيس “الشرع” إلى إعادة صياغة هذه الصورة النمطية المغلوطة أو التي لم يكن الوقت متاحاً ليظهره سابقاً نتيجة الظروف الأمنية والواقع الذي فرضته ظروف الحرب وحالة الترهل في المجتمع السوري وفرضته طبيعة الفكر والمرحلة التي عاشها.
لكن الخطوات والتصريحات التي ظهرت في سياسة “الشرع” تجاه المرأة بدأت تظهر جلياً في كثير من المواضع لاسيما عبر خطاب اتسم بالإنصاف والواقعية، فلم يعد يتحدث عن المرأة بوصفها “رمزاً” مجرّداً، بل اختار أن يُجسّد رؤيته من خلال نماذج حيّة قريبة منه، تمثلت في زوجته “لطيفة الدروبي” التي ظهرت للعلن عقب توليه الرئاسة ببساطتها، ووالدته التي طالما تحدث عنها في لقاءاته الأخيرة، علاوة عن تأكيده مراراً لدور المرأة وحضورها في الدولة الجديدة.
اللقاء الأخير الذي جمع الشرع مع سيدات سوريات في قصر الشعب بمناسبة عيد الأضحى المبارك، تحدث “الشرع” بصراحة وامتنان عن زوجته “لطيفة الدروبي”، التي كانت كما وصفها شريكة في كل مراحل الصمود، وقال عنها: “زوجتي العزيزة كانت معي في كل تلك الفترة التي مررنا بها”.
تحدث عن زواجهما في عام 2012، في ذروة الأزمة الأمنية، وعن تنقلهما بين المغارات والمداجن وأماكن الإقامة المؤقتة، تحت التهديد الدائم، مؤكداً أنها لم تكن فقط زوجة، بل رفيقة كفاح اختارت البقاء إلى جانبه رغم قسوة المرحلة، أراد “الشرع” من استحضار هذه المواقف الإشارة إلى دور المرأة السورية ككل جامع في عموم الوطن السوري، وماتحملته من مشقات ومصاعب وظروف.
لم تكن سردية “الشرع” عن زوجته أمام سيدات من مختلف الأطياف السورية، لإظهارها وتقديمها كسيدة أولى في القصر، بل ليعطي مثالاً حياً مقرباً منه عايشته، ويعمم هذا المثال على النساء السوريات ومعاناتهم وتحملهن كل الصعاب في الحرب.
ولم يكن هذا مجرد سرد عاطفي، بل حمل رسالة رمزية وواقعية، تعزّزت بظهور لطيفة الدروبي في محافل عامة، ما ساهم في كسر الصور النمطية عن “المرأة المحجوبة” أو “المُهمّشة”، حضورها البسيط والهادئ قوبل بترحيب واسع من شريحة كبيرة من النساء السوريات، اللواتي رأين فيها نموذجاً للمرأة القريبة من الناس، لا المتعالية عليهم.
وسبق للرئيس الشرع أن تحدث عن والدته التي عاشت، كغيرها من الأمهات، مرارة الفقد والانتظار، معتقدةً أن ابنها قد مات خلال فترة الاختفاء، واختار الشرع أن يظهر معها في لقاء جمع أمهات المفقودين، ليؤكد أن معاناة الأمهات ليست شأناً فردياً بل ألماً وطنياً مشتركاً.
ولم يكتفِ “الشرع” بالرمزية، بل حرص على تجسيد هذه الرؤية عملياً، من خلال تعيين عدد من النساء في مواقع قيادية داخل المؤسسات الحكومية، سواء في المناصب الإدارية أو السياسية. وهو ما اعتُبر خطوة مهمة على طريق تعزيز الدور الحقيقي للمرأة، لا بوصفها ملحقاً أو ديكوراً سياسياً، بل فاعلاً أساسياً في مشروع الدولة الجديدة.
ومع تصاعد التفاعل الشعبي الإيجابي مع هذه الخطوات، بات من الواضح أن ما يحدث أكثر من مجرد لفتات رمزية، بل هو تحوّل ثقافي واجتماعي ترعاه الدولة، وتشكّل المرأة عماده الأساسي، فالتحرر لم يعد نقيضاً للرئيس، ولا الظهور وصمة، ولا الدور الفاعل استثناءً، بل ضرورة تفرضها المرحلة، ويُباركها رأس الدولة نفسه.