الثورة :
بقلم الدكتور جوليان بدور
باحث وأكاديمي فرنسي من أصل سوري – جامعة لاريونيون
شاركت، عن طريق الزوم، في مؤتمر نظمته جمعية الصداقة الفرنسية – السورية منذ أسبوعين في يوم ٢٠ كانون الأول ٢٠٢١، وألقى أحد من يسمون أنفسهم “معارضين” محاضرة عن اللاجئين في سورية، لكنه تطرق إلى عدد من القضايا الاقتصادية والسياسية والإنسانية التي تخص البلد، وفيها الكثير من المعلومات المغلوطة، وبعد الانتهاء من العرض، دخلت في نقاش معه حول عدد من القضايا.
القضية الأولى في حين عزا المحاضر المذكور وهو “سمير عيطة” الانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية الذي بدأ في عام ٢٠١٩ حصرًا إلى الأزمة التي أصابت البنوك في لبنان من هذا العام، رأيت أن هذا السبب غير كاف، فهو تجاهل أثار دخول ما يسمى “قانون قيصر” الجائر حيز التنفيذ خلال هذه الفترة مما أدى إلى انخفاض حاد في الحركة المالية والتجارية والاقتصادية للبلاد وشح في العملات الأجنبية تلاها انخفاض كبير في قيمة العملة الوطنية.
نقطة الخلاف الثانية بيننا كانت مرتبطة بإدارة الدولة لعواقب موجات الجفاف التي ضربت سورية والمنطقة ما بين عامي ٢٠٠٦ وعام ٢٠٠٩، فبينما هو يعتقد بأن إدارة الدولة هي السبب الرئيسي في هذه القضية، وتالياً تردي الأوضاع المعيشية، فإنه تجاهل بأن شرحه وتفسيره لهذه القضية خاطئ وغير صحيح وذالك للأسباب التالية:
أولًا, سورية هي ضحية الجفاف والاحتباس الحراري وليست المسؤولة عنه لأن انبعاثاتها من (CO2) تكاد لا تذكر مقارنةً مع انبعاثات الدول الغنية من (CO2) المسبب لهذه الظاهرة.
ثانيًا, الزعم بأن البلد واجه أزمة معيشية حادة ناتجة عن ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية ما بين ٢٠٠٨- ٢٠٠٩ بسبب الجفاف غير صحيح ومبالغ فيه، وللبرهان على ذالك سأكتفي هنا بنشر تصريح لمسؤول كبير في منظمة الفاو العالمية “كوستافسون” وهنا اقتبس من كلامه: “سورية قبل صراع عام ٢٠١١ كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية، كما أنها كانت تصدر كميات كبيرة من القمح والشعير والقطن والسكر والطماطم والبطاطا والبرتقال والتفاح وزيت الزيتون واللحوم والبيض”.
ثالثاً، وعن قوله بأن إدارة مشكلة نازحي موجات الجفاف لم تكن صحيحة فإن الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني أن سورية كانت آنذاك قادرة على استضافة واستيعاب ثلاثة ملايين لاجئ (مليوني لاجئ عراقي ومليون لاجئ لبناني) ما بين عام ٢٠٠٤ وعام ٢٠٠٧ دون نصب خيمة واحدة ودون طلب قرش واحد من هيئة الأمم المتحدة أو المؤسسات المالية الدولية، أليس في مقدورها وباستطاعتها إدارة نزوح مئات الآلاف من مواطنيها وتأمين كل ما يلزم لهم من سكن وغذاء وصحة وتعليم الخ؟.
رابعًا, يمكن القول أيضًا بأن موجة الجفاف هذه لم تقتصر على سورية بل شملت كل دول الجوار الأردن، العراق، تركيا، لبنان الخ، والسؤال لماذا اقتصرت هذه المشكلة التي يدعونها على سورية ولم تظهر في أي بلد مجاور له؟.
نقطة الخلاف الأخيرة هي الزعم بأن القسم الأعظم من اللاجئين السوريين لا يرغبون بالعودة إلى بلدهم وديارهم وبأنهم لم يعودوا متعلقين بجنسيتهم وبوطنهم وبأن الدولة السورية لا تقوم بواجباتها في هذا المجال، متجاهلاً أن أغلب اللاجئين السوريين مرتبطون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بوطنهم وهويتهم، لا بل إن تعلقهم وارتباطهم في بلدهم ازداد في السنوات الأخيرة وبشكل ملحوظ نتيجة عدة أسباب منها وطنيتهم، ومنها التسهيلات التي قدمتها الدولة، وعقدها للعديد من المؤتمرات الخاصة بالعودة، ومنها التشريعات التي أصدرتها من أجلهم وسهلت لهم كل سبل العودة، ومنها المعاملة السيئة التي لاقوها والابتزاز والازدراء الذي يتعرضون له في بعض الدول التي تستضيفهم.
وإذا كان وكلاء الأمم المتحدة وأسيادهم في الدول الغربية واثقين بأن السوريين لا يودون العودة إلى ديارهم فلماذا يستمرون في فرض العقوبات القسرية الأحادية الجانب على بلدنا ويتخذون الإجراءات التي تعيق عودتهم وينشرون الأخبار الملفقة والكاذبة عن اللاجئين وعن الحكومة السورية، فليوقفوا هذه الإجراءات وليتركوا الخيار الحر لهم وعندها سنرى فيما إذا يودون العودة أم لا؟.
وفي النهاية يمكننا القول بأن قرابة أحد عشر عامًا من الحرب والحصار الجائر والدمار والموت والتشرد والخراب الهائل الذي أصاب بلدنا لم تكن كافية على ما يبدو لإشباع شهية مروجي شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، والذين يعملون عكسها، وبدلًا من الاعتراف بفشلهم في تحقيق أهدافهم ، يصر ممثلو الدول الغربية ومندوبو الأمم المتحدة على استخدام قضية اللاجئين السوريين كآخر ورقة للمساومة من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية الذين عجزوا عن تحقيقها بالوسائل العسكرية ولو كان ذلك على حساب معاناة اللاجئين والشعب السوري عموماً.