الثورة – عبد الحليم سعود:
خلافاً لكل التصريحات والادعاءات الأميركية المتعلقة بالحرب الإرهابية على سورية، والتي كانت تزعم طوال الوقت “حرصها” على حقوق ومطالب الشعب السوري و”رغبتها” بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة و”محاربة” الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش، فإن المراقب للتدخل الأميركي السافر في الشأن السوري عموماً، لا بد له أن يلاحظ بأن واشنطن كانت المسؤول الأول عما آلت إليه الأوضاع من استجلاب الإرهابيين من كل حدب وصوب وارتكاب جرائم القتل وتخريب المؤسسات وحرق المنشآت العامة والاعتداء على نقاط الجيش والشرطة، والتي لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتسامح مع وجود هذا الإرهاب أو تسمح به لأنه تهديد خطير لوجودها وسيادتها واستقلالها.
ولعل الجميع يتذكر كيف كان السفير الأميركي في سورية “روبرت فورد” يتحرك مع بداية الأحداث عام 2011 بكل حرية ووقاحة من منطقة سورية إلى أخرى محرضاً على العنف ورفض الحوار مع الدولة السورية، الأمر الذي هيأ الأجواء عموماً إلى حرب إرهابية شاملة مبيتة ضد الدولة والشعب في سورية، كانت الولايات المتحدة موجودة في كل تفاصيلها الصغيرة بدءاً بتسليح وتمويل وتدريب المرتزقة والإرهابيين وجلبهم إلى سورية من مناطق ودول مختلفة، ومروراً بنشر قوات احتلال في المنطقة الشرقية من البلاد وإقامة قواعد عسكرية في الرميلان وعين العرب وتل أبيض والمبروكة وروباريا وتل بيدر ومنطقة التنف، وصولاً إلى تشكيل مليشيات مسلحة انفصالية مثل قسد، وليس انتهاء بشن اعتداءات على الجيش العربي السوري في مراحل حساسة من حربه على تنظيم داعش الإرهابي وبقية التنظيمات الأخرى بذرائع كاذبة حول استخدام الأسلحة الكيماوية.
اليوم ومع اقتراب الحرب على الإرهاب من نهايتها بفضل بطولات وتضحيات الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض، وسقوط كل المبررات والذرائع الأميركية المتعلقة بتنظيم داعش ومحاربة الإرهاب، تحتفظ الولايات المتحدة بالعديد من قواتها المحتلة في منطقة الجزيرة السورية وكذلك منطقة التنف بالبادية السورية، حيث لم يعد يخفى على أحد السبب الحقيقي لوجود هذه القوات هناك، ففي الجزيرة السورية تواصل واشنطن سرقة ونهب ثروات الشعب السوري النفطية في أوج حاجته إليها للتغلب على الأزمات المعيشية التي سببتها الحرب، كما تواصل دعمها لمليشيات إرهابية لديها مشروع انفصالي يطالب بقيام كانتون عميل يتنكر للحقائق الجغرافية والتاريخية والديموغرافية لهذه المنطقة ومكوناتها ويهدد وحدة سورية وسلامة أراضيها وينسف استقرارها، ويشرع الباب أمام تدخلات تركية بغيضة بذريعة الحفاظ على الأمن القومي التركي.
أما في منطقة التنف فليس خافياً أيضاً سبب اختيار المحتل الأميركي لهذه المنطقة الحيوية وهي المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي ذو الأهمية البالغة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين ثلاث دول عربية شقيقة، فالأميركي كما هو واضح يهدف إلى تعميق الانقسام بين الدول العربية ومنع أي نوع من التعاون والتنسيق لمصلحة هذه الدول وشعوبها، وتقديم خدمات لصالح الكيان الصهيوني الذي يتطلع لتفكيك عرى الترابط القائم بين مكونات محور المقاومة من إيران والعراق وصولاً إلى سورية ولبنان، حيث يشكل الوجود الأميركي الحليف ل “إسرائيل” في هذا المثلث الحدودي الحيوي أكبر خدمة للتطلعات الصهيونية بعيدة المدى، وثمة من يرى أن الكيان الصهيوني قد عرقل أكثر من مرة تنفيذ الوعود الأميركية بالانسحاب من هذه المنطقة وكان خلف إلغاء ترامب لقراره بسحب قواته المحتلة من سورية قبل نحو عامين.
تدرك الولايات المتحدة أن وجودها على الأرض السورية هو وجود احتلالي وغير شرعي وغير قانوني ومخالف لشرعة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، فلا الأمم المتحدة سمحت بهذا الوجود ولا الدولة السورية أذنت للأميركي بالتدخل في شؤونها، وقد عبرت حكومة الجمهورية العربية السورية مراراً وتكراراً في رسائل للأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن رفضها لهذا التدخل، مطالبة الولايات المتحدة بسحب قواتها المحتلة بصورة فورية، بالنظر لما تشكله هذه القوات من تهديد لوحدة وسلامة الأراضي السورية، وما تمثله من تشجيع للتنظيمات الإرهابية على استخدام هذا الوجود غير الشرعي كذريعة لزيادة أعمالها الإرهابية، إضافة إلى أن مليشيا قسد قد بنت طموحها الانفصالي على أساس الدعم والحماية الأميركية المقدمان إليها، وما من شك أن هذا الوجود سيواجه بالمقاومة الشعبية والسياسية والعسكرية، إذ لا يمكن للشعب السوري العنيد الذي عانى من ويلات الحرب والتدخلات والاعتداءات والحصار والعقوبات الأميركية أن يقبل بهذا الوجود الاحتلالي، ولاسيما أنه يهدد سيادته واستقلاله وكرامته الوطنية، عدا عن كونه ينهب ثرواته النفطية ويصادر سلة غذائه وهذا غير مسموح به بتاتاً مهما كانت التضحيات، وعلى الأميركي أن يتهيأ لدفع الأثمان ما لم يسارع للانسحاب.