الملحق الثقافي:عبد الحميد غانم:
يعد النظام السياسي الأميركي أحد أبرز الأنظمة السياسية المثيرة للجدل ليس كأي نظام سياسي آخر يحكمه الدستور وان هناك آلية واضحة يسير عليها.
إنه يتخذ من السياسة وسيلة لغاية تجسد النزعة التي تخدم الروح العدوانية في السياسة الخارجية الأميركية الساعية إلى جعل الإنسانية جمعاء في خدمة المشروع الرأسمالي للولايات المتحدة الأميركية وتجسيد السمة الاستعلائية لأميركا في تعاملها مع دول العالم.
فإذا كانت عملية صنع السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأميركية تقوم في جوهرها على مبدأ “الرقابة والتوازن”، بين السلطات المشاركة، فإن عملية صنع السياسة الخارجية تتسم بالتعقيد والتشابك نظراً لتداخل الصلاحيات وتأثير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كجماعات الضغط ومراكز الأبحاث على سبيل المثال.
البحث في كواليس هذا النظام شغل اهتمام الباحثين ومراكز الأبحاث والدراسات، وضمن اهتمام الهيئة العامة السوريّة للكتاب ودورها في ترجمة ونشر مجموعة من الكتب التي تتناول الثقافة الدستوريّة التي كرستها الشعوب، جاء صدور كتاب: (النظام السياسي الأميركي) ليكون باكورة هذا المسعى الذي يوفر للمهتمين بالشأن العام والباحثين في القانون الدستوري وليشكل خلفية غنية عن المذاهب الدستوريّة السياسية في العالم أجمع.
يستعرض الكتاب بنية المؤسسات الحاكمة في الولايات المتحدة ودورها في محاولة فرض الهيمنة الأميركية على العالم ولا سيما خلال فترة ما بعد الحرب البادرة.
الكتاب الذي وضعه مجموعة من الباحثين وأساتذة العلوم السياسية الأميركيين من عدة جامعات وكليات العلوم السياسية في ولايات متعددة في الولايات المتحدة الأميركية، وصدر عام 2018 مترجمًا عن الهيئة العامة السورية للكتاب، للأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق الدكتور محمد عرب صاصيلا، يقوم في ظاهره على عرض النظام السياسي في الولايات المتحدة من باب نشر الثقافة الدستورية وتوفيرها للمهتمين لكنه في الجوهر يقدم وجبة معرفية لفهم بنية الدستور الأميركي وآلية انتخاب الرؤساء وتأثير عمل اللوبيات والثنائية الحزبية الأميركية عبر هيمنة الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتبادل الأدوار في السلطة.
يقدم الكتاب خلاصة غنية لآلية الحكم في الولايات المتحدة فهو يبدأ بعرض تاريخي لنشوء هذه البلاد عبر استيطان أعداد كبيرة من المستعمرين الأوروبيين في شاطئها الشرقي وتوسعهم على حساب السكان الأصليين الذين عرفوا فيما بعد باسم “الهنود الحمر” ثم حربهم ضد الإنكليز وتشكل أميركا ككيان فيدرالي.
يشرح الكتاب نشوء المؤسسات الاتحادية الأميركية وعملها ومراكز صنع القرار في أميركا من الكونغرس بقسميه الشيوخ والنواب وسلطات الرئيس ومؤسسات الإدارة العامة.
وتزامناً مع ما شهدته العلاقة بين كل من المؤسستين التشريعية والتنفيذية من خلل لمصلحة الأخيرة، وهيمنة رئيس البلاد على عملية صنع القرار والتفرد به ما أدى إلى إحداث إخفاقاتٍ عدة إضافة إلى خوض حروبٍ وحملات عسكرية لا نهائية في دول عدة وخاصة في المنطقة، انعكست هذه الإخفاقات سلباً على السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأميركية، مما استدعى من المؤسسات التشريعية السعي الجدي لاستعادة دورها في عملية صنع القرار الأميركي، واستدعى فرض الضغط على الرئيس الأميركي، في ظل الانقسام الحزبي والسياسي ليس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي فحسب، بل داخل كل حزب على السواء.
وقد شكلت أحداث 11 سبتمبر حدثاً مفصلياً ونقطة تحول للولايات المتحدة الأميركية ولأمنها القومي، مما جعلها تقوم بمراجعة منظومة الأمن القومي الأميركي، بهدف سد الثغرات التي كشفت عنها تلك الهجمات، والعمل على منع حدوثها في المستقبل.
فالولايات المتحدة الأميركية انفردت بقيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي خاصة في عهد الرئيس جورج بوش الابن الذي عزز هيمنتها في النظام السياسي الدولي دون الحاجة لحلفاء، وأدى ذلك إلى إنتاج سمة جديدة أساسية للنظام العالمي – الأحادي القطبية، المتمثل بتعاظم القوة السياسية والعسكرية التصاعدية. وتسعى أميركا بشكل دؤوب للبقاء كمحور استراتيجي متحكم في المنطقة ما يشير إلى أن الدولة لكي تكون مؤثرة في النظام السياسي الدولي عليها أن تمتلك القوة، وليس القوة العسكرية فحسب، بل أيضاً قدرات مادية ومعنوية، مثل القوة الاقتصادية – الثروة، فضلاً عن العلوم التقنية والثقافية – المعرفة.
وبعد سنوات من الحروب الاستباقية والانفراد الأميركي بالقرار، يقر الكتاب بتدهور صورة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، ويعترف بحدوث أخطاء وقعت بها السياسة الخارجية الأميركية حدثت أثناء حرب فيتنام، وتكررت بعد 30 عاماً في حرب الخليج ضد العراق، وهذه الأخطاء هي:(الثقة المطلقة بتفوق السلاح الأميركي، والتقانة العسكرية، وعدم فهم الثقافات المحلية، ورفض اللجوء إلى المختصين بهذه الثقافات)(ص466).
ويرى الكتاب أن أميركا في كلتا الحالتين (أفغانستان والعراق) قدمت صورة الدولة العاجزة(ص467).
على أية حال، الكتاب يعد مرجعاً للباحثين والمهتمين في الشأن السياسي، باعتباره يجمع بين دفتيه خلاصة أفكار باحثين وأساتذة أميركيين حول دراسة النظام السياسي الأميركي والعلاقات القائمة بين مؤسساته والأطراف المشاركة والمؤثرة في عملية صنع القرار السياسي والسياسات الأميركية داخل وخارج البلاد والتعرف على كواليس النظام السياسي الأميركي.
التاريخ: الثلاثاء18-1-2022
رقم العدد :1079