الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
يُعدّ مصطلح (مجاورات الأدب) من التعبيرات التي تثير بعض الإشكالات حين نستخدمها ونسمعها ونقرؤها، فهذا المصطلح نادراً ما كُتب، أو قيل بطريقة طبيعية محايدة، حيث إن البعض يرفضه، ويبدو لهؤلاء الرافضين أنه مصطلح فجّ، وغير ملائم، أو أن دلالته غير صحيحة، لأنه ينطبق على أعمال يقدرونها ويحترمونها جداً، ويصفونها بأنها أدبية بالمطلق، في حين أن البعض الآخر يستخدمه بصورة عادية هي في أحسن الأحوال قد تسربت بهدوء إلى الاستعمال اللغوي، بيد أن هؤلاء كذلك لا يغفلون عن تحفظاتهم المنهجية القوية تجاهه، وهناك مجموعة ثالثة ترفض ما يحيل إليه هذا المصطلح الذي يشي بـ «أدب رديء»، أو «أدب الأكشاك»، أو «أدب محطات وسائل النقل»… إلخ. فاستعمال مصطلح (مجاورات الأدب) سيؤدي، دون حد أدنى من الحذر، إلى الابتذال، أو التبسيط في فهمه، وسيطرح عدداً من الأسئلة دون أن يقدم أكثر من إجابات سطحية محدودة.
إذاً ما هي مجاورات الأدب؟ وهل هناك منطق عام شامل يجمع بين أنواعها؟ إنهما سؤالان مهمان، والإجابة عنهما ليست يسيرة؛ غير أن الكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن «المشروع الوطني للترجمة» تحت عنوان (مدخل إلى مجاورات الأدب)، تأليف: دانيال كوينياس، وترجمة: د. وائل بركات، يسعى إلى الإضاءة على مجاورات الأدب بجهد بيّن، ولغة يسيرة، وعبارة واضحة تفي بالغرض، وتشرح المطلوب، كما أنه يحاول التعريف بالسمات الشكلية والمضمونية لمجاورات الأدب التي توضح افتراقها عن الأدب، لكنه افتراق لا يرقى إلى مرتبة الفصل التام لوجود تداخلات بين الطرفين: الأدب، ومجاور الأدب، وإذا كان الأول يفخر بقيمته التي أنجزها منذ القدم، ويعتز باعتراف رسمي ناله من الطبقة المثقفة، فإن رديفه دأب ردحاً طويلاً من الزمن يبحث عن اعتراف به مُعزِزاً سعيه بجمهور عريض من القرّاء في الطبقات الاجتماعية الشعبية.
ويعرض هذا الكتاب كذلك عبر نماذج روائية عدّة تاريخ أعمال مجاورات الأدب الذي يعود إلى زمن بعيد، الأقرب فيه في التاريخ الأوروبي يصل إلى التراث الغوتي بما يحمله من إثارة ورعب، وبما فيه من مغامرات للأبطال، هذه القصص التي كانت تُنشر على صفحات الجرائد، ثم ما كان من انطلاق الرواية المسلسلة عام ١٨٣٦ التي استمرت حتى بداية الحرب العالمية الأولى، والتي رافقها ظهور نوع آخر مشابه سُمي بـ «الرواية الشعبية» التي استمرت تحت أسماء مجموعات بموضوعات مختلفة، مثل: الرواية البوليسية، ورواية الجاسوسية، ورواية الخيال العلمي، والرواية الفانتازية، ورواية الرعب، ورواية المغامرات العاطفية… إلخ. ويقول مؤلف الكتاب في مقدمته مبيّناً السبب وراء اختياره هذه النماذج الروائية: «اخترنا نماذج روائية من الرواية الشعبية في القرن التاسع عشر، ومن الروايات البوليسية الرائدة (١٨٩٠ – ١٩١٤) عن طريق الذوق الشخصي أولاً.. ثم لأن المرء، مع الأعمال المشار إليها، يجد نفسه في المفصل المحوري لتطور «مجاورات الأدب» الذي يمتد إلى قرنين من الزمن: بدءاً من الأصول الأولية للخيال الشعبي المطبوع، وصولاً إلى خيال جمهور ينعم بتعددية في وسائل النشر في النصف الثاني من القرن العشرين، وأخيراً لأن معظم الروايات المدروسة أثّرت بقوة في روائيين ومبدعين أدبيين في القرن العشرين، وكذلك في كتّاب السيناريو الذين يقدمون أعمالهم للسينما والتلفزيون…».
وفي الختام يمكن القول إن القارئ لصفحات هذا الكتاب سيكتشف ما حفلت به الآداب الغربية في تمييزها بين الأدب، وما اصطلح على تسميته بـ «مجاورات الأدب»، وسيلحظ اختلاف هذين المصطلحين على الرغم من تداخلهما معاً في مناح كثيرة، منها: أحادية الفكرة أو الموضوع المهيمن على العمل، والشكل شبه الموحد ضمن النوع الواحد، كما سيتضح له بمقاربات أولية أن العمل في مجاورات الأدب لا يقوم على فراغ أبداً، وإنما يفيد من أعمال سابقة، وأن مؤلفه يحمل بعضاً من مواصفات المؤرخ، وكثيراً من خصائص السارد، ويصوغ عمله وفي منظوره نوع من الإيهام المرجعي ليجذب به القارئ، لكنه في الحقيقة لا يحاكي الواقع إلا في ملامح ضيقة، أو سطحية.. وتسيطر عليه فكرة المهيمن ليصبح موضوعاً ثابتاً في أي عمل، فمن الطبيعي أن يكون أفق انتظار القارئ لأعمال أرسين لوبين موجهاً صوب الأفعال التي تقوم بها هذه الشخصية في كل جديد لها، وهذا يدخل عادةً في صميم عقد القراءة المبرم بين المؤلف والناشر من جهة، والقارئ من جهة ثانية.
التاريخ: الثلاثاء1-2-2022
رقم العدد :1081