الثورة – هفاف ميهوب:
عندما سُئل الشاعر والروائي الأرجنتيني “خورخي لويس بورخيس” في إحدى الحوارات التي أجريت معه، عن ألف ليلة وليلة قال: “هي سبب “قيامتي” ككاتب وكشاعر، وحتّى كناقدٍ غوّاص في مجمل آداب الشعوب الحيّة في العالم، فقد قرأتها وأنا في مُبتدأ اتّصالي الشغوف بأمّات الكتب الأدبيّة الأكثر تداولاً في الأرجنتين والعالم، ثمّ تدرّجت قراءاتي لها لاحقاً، وباللغات الفرنسيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة والألمانيّة والبرتغاليّة، فضلاً عن الإسبانيّة ـ لغتي الأمّ بالطبع، ولولا خسارتي لنعمة البصر، كنت سأشرع بتعلم اللغة العربيّة، فقط لأجل قراءة “اللّيالي” بها”.
قال “بورخيس” هذا عن قصص،ٍ كانت ولاتزال معروفة لدى الأميين مثلما المثقفين، ومنها “علاء الدين والمصباح السحري” و”السندباد البحري” و “علي بابا” و غير ذلك مما تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل، وكان سبباً في جعل القرّاء في الغرب، يكوّنون فكرتهم عن الشرق، ولاسيما بعد أن قام المستشرق الفرنسي “أنطوان جالان” عام 1704 بترجمتها إلى الفرنسية..
ما جعل هذه القصص، التي تُرجمت بعدها إلى لغات أوروبية عديدة، سبباً للاهتمام بالدراسات الشرقية وبالأدب الخيالي والعجائبي، مثلما بإبداعات أخرى أُخذت عنها، مثل المسرح، الأوبرا، الأفلام، الرسم، النحت، وغير ذلك من الفنون التي تناولت كلّ ما يتعلّق بحكايات الحب، المغامرات، المحتالين، المجرمين، إضافة إلى النوادر وحكايا البخلاء، والحكايات التعليمة، وكذلك القصائد الشعرية…
لم يكن “بورخيس” وحده من تأثّر بهذه الحكايا، فهناك أيضاً الكاتب الأمريكي “مارك توين” والفيلسوف والأديب الفرنسي “فولتير” والشاعر الألماني “غوته، وكذلك الشاعر والمسرحي الانكليزي “شكسبير”.. وغيرهم كثر، ومن المعروف أن الأديب الإيطالي “جيوفاني بوكاشيو” كان قد توّج أعماله، برائعته “الديكاميرون” أو “الليالي العشر”.. الكتاب الذي يتألف من مائة قصة، تشبه قصص ألف ليلة وليلة التي اقتبس منها.. لكن، وإن كانت شهرزاد العربية قد روت حكاياها هرباً من الموت، فإن شباب وصبايا “بوكاشيو” فكروا باللجوء إلى سرد القصص، وأيضاً هرباً من الموت، ولكن ذاك الذي سببه وباء الطاعون الذي اجتاح إيطاليا وأوروبا يومها..
أيضاً، يؤكد الكولومبي “ماركيز أنه لو لم يعثر على كتاب “ألف ليلة وليلة” صدفةً في مكتبة جده، لما صار أديباً عاش ليروي: “تعلّمت من ألف ليلة وليلة ما لن أنساه أبداً، وهو أنه يجب أن نقرأ فقط الكتب التي تُجبرنا على أن نعيد قراءتها”.
نتساءل في النهاية: لطالما أيقظت كلّ شعوب العالم إبداعاتها، بحكايانا الخالدة.. يا ترى، من يوقظ عقولنا من غفوتها، ويبشّرنا بليالٍ مبدعة ومتجدّدة؟.. من بإمكانه أن يضيء هذه الليالي بسردِ المباح، بعد أن أظلمتِ حياتنا، ولم يعد يدركها الصباح؟!.
السابق