الثورة – أديب مخزوم:
تتميز الفنانة التشكيلية ريما الزعبي بغزارة إنتاجها، الذي نتابعه بشكل يومي على صفحتها بزخم واضح، وهي تفتح مساحات لوحاتها، على احتمالات تعبيرية، من خلال معالجة مواضيع مختلفة ولايمكن حصرها، وتحرك العناصر، بخطوط رفيعة، ولمسات لونية عفوية، تعكس هواجس التركيز على اختزال المساحات والأشكال، للوصول بالتأليف التشكيلي، إلى تداخلات تعبيرية ورمزية وخيالية وتجريدية، تعبِّر عن روح الفنون الحديثة والمعاصرة، وثقافتها البصرية المتجددة.
ورغم كل العفوية والانفعال الذي نراه في بعض لوحاتها، يبقى اهتمامها منصباً على إعطاء لوحاتها مناخية خاصة، في خطوات تنقلها من الواقعية إلى أقصى حدود الاختزال التعبيري والتجريدي، ولوحاتها تشدنا ليس بحداثة خطوطها الرفيعة فحسب، وإنما بمعالجتها التقنية العفوية، التي تجعل لمسات اللون متراقصة في فضاء المشهد، لاسيما حين تتجه لإضفاء خطوط لونية مصاغة بعفوية، ومجسدة بحرية وحيوية، وبالتالي فهذه الحركات السريعة، التي تحدد عناصر الأشكال الإنسانية والمعمارية والطبيعة والمشاهد البحرية وغيرها، تبدو غنية بتعبيرها ومكثفة بالأحاسيس العميقة وإيحاءات المد الإنسيابي، الذي يلغي الثرثرة التفصيلية، ويعمل على إظهار حداثة المناخ التكويني والتلويني.
وهي غالباً ماتقيم حواراً بين التشكيلات الطولانية والعرضية، والأفقية والشاقولية، رغم ما تبرزه من تحرر ألوانها من تلك السلطة الهندسية المعتمدة ضمن إطار اللوحة. فالبحث عن نسيج لوني عفوي فتح لوحاتها على احتمالات تشكيلية ومظاهر اختبارية تقنية، تستفيد من التعبيرية في مظاهر تحوير الأشكال والذهاب بها إلى أقصى حالات التبسيط والاختصار، وتستفيد من التجريدية في مظاهر الانحياز نحو المساحات اللونية، التي تعمل على تغييب أشكال الواقع، وتستفيد من الخيالية في مظاهر دمج العناصر والرموز والمشاهد، لتصل في نهاية المطاف لتقديم لوحات حديثة، غنية باحتمالاتها الرمزية والدلالية والجمالية والتي تكشف في جوهرها عن هاجس التعبير عن الحركة الداخلية الانفعالية، بإيقاعات لونية صاخبة أحياناً (ضربات الفرشاة السريعة ) وهادئة أحياناً أخرى ( المساحات اللونية الملطفة ) وهذا يعني أن تجاربها التشكيلية الحديثة (اللون بحركته التلقائية المتحررة) يبقى خاضعاٌ لرقابة العقل، حتى في أقصى حالات العفوية والاختصار والاختزال.
فالبحث عن مناخات مختصرة لتكاوين الأشكال الإنسانية والمعمارية والنباتية والعناصر الأخرى شكل في لوحاتها هواجس لاختبار الإيقاعات التشكيلية المتداولة في الفن الحديث، والقائمة على إلغاء الثرثرة التفصيلية، وإعطاء أهمية قصوى للإيقاع اللون، والإبقاء على جوهر الحركة العفوية، التي تبرز كمقطوعات موسيقية بصرية.
هكذا تعمل ريما الزعبي لإظهار قدرتها على إيجاد إضافات جديدة لمنطلقات الدمج بين التراكمات الثقافية، التي عالجت قضايا التعبير عن أشكال الواقع برؤى جمالية حديثة ومعاصرة.
ولقد وصلت في لوحاتها التي قدمتها في معارض كثيرة فردية وجماعية ( داخل سورية وخارجها ) إلى جوهر التعبير الذاتي، عن الأحاسيس والانفعالات الداخلية العميقة.
ومنذ مراحل دراستها في موسكو (حائزة على ماجستير هندسة عمارة – تخطيط مدن، وبكالوريوس فنون جميلة ) كانت تتجه عاماً بعد آخر، نحو المزيد من الحرية في تجسيد إيقاعات الشكل، وموسيقا اللون، وذلك بإضفاء اللمسات اللونية السريعة والمتراقصة والغنائية، الشيء الذي يؤكد علاقة لوحاتها بثقافات وتحولات فنون العصر، التي جعلتها تشق طريقاً، نحو ملامح الحداثة التعبيرية الانفعالية، المتداخلة في بعض لوحاتها مع الخلفيات التجريدية، والتي جاءت بشكل عفوي بعد سلسلة تجاربها المتواصلة، التي زادت قناعتها بضرورة تأكيد خصوصيات البحث الأسلوبي والجمالي والتقني والتعبيري.
وبالتالي فهي تبحث عن هواجس تشكيلية معاصرة تؤسس للرؤية المعبرة عن الواقع، حيث تختزن في ذاكرتها البصرية، أي مشهد تراه أثناء مرورها في شارع أو في حديقة أو في أي مكان عام، لتنقله إلينا بالمختصر المفيد المعبر عن روح الفنون الحديثة قبل أي شيء آخر.
ومن الناحية التشكيلية والتقنية تتميز لوحات ريما الزعبي، بانحياز واضح نحو التعبير التلويني الغنائي، لإبراز ديمومة الحركة التي تسكن جوهر التكوين المستمد أو القادم من عناصر ومشاهد الواقع، والوصول إلى حالات التعبير الذاتي، وما تعكسه تلك اللمسات العفوية من انفعالات في حالات التلوين والتكوين، خاصة وأنها تعتمد في أحيان كثيرة ألواناً صريحة و متناهية العفوية في جرأتها وحداثتها وتلقائيتها وعفويتها.