الملحق الثقافي:شهناز صبحي فاكوش:
تتقاذفنا سنوات الأحزان.. ترمينا الواحدة للأخرى.. تلعق أيامها نزيز أرواحنا، ونحن في صمت رهيب.. يغيبنا الحنين في ذواتنا.. تلسعنا سياط الشوق فتضيق بنا الأرض ورحابة السماء.. صبابةٌ جفت لها أوتار قلوبنا.. على من غادرونا بغير وداع.. دموعنا المسكوبة في بئر الحزن تاهت بين سحائب النجيع وضباب الأحلام..
ليته كان هجراً لا موات.. أرهقتنا مرارة حلوقنا.. الصبر نال من الأفئدة وبالاً.. تاركاً إياها غربالاً عصياً.. وعلى الشفاه القشيبة حُللاً.. أودعها كل تشققات الأرض الجدباء.. عطشى من مرارة اليأس والأنين.. في انتظار قاطرة الحياة الباقية على ناصية الأمل.. تقلنا إلى حيث هم..
ليس من بلسم ولا دواء لداء الفراق الدنيوي.. إلا الرهان على الحياة الأخرى.. علها تفعم بنعيم لقائهم.. وحنان صدور طالما حلموا بالغفو عليها.. تُرى الذاكرة تحتمل قسوة الباقي من أيام أو سنين، غير محصية العدد.. والقدر يعبث بها أو يركنها في ساحة عتمة الانتظار..
ترى النسيان عالم لا يدخله إلا أصحاب القلوب المتحجرة، ليظل عالم الأحلام ريشة تغادر العمر، فتكون عرضة لهبوب الريح تلقيها أينما شاءت.. قد تستقر بعد هدوئها على رصيف الذكريات.. أو في محطة انتظار ريح الغياب الأخير..
كيف لعمر غير معروف العدد يمتلك ذاته ليحط على هنيهات العمر الماضي.. كيف لليل أن يتبسم وهو محشو بألم الفراق.. مفعم بوجد الاشتياق.. ذاكرته تتحسر على سني البعاد، حيث اللا رجعة.. معارك القلب تزداد سعيراً في عتمة الغياب وكثرة الغائبين..
لأي زمن يمكن أن نمضي والحسرة تشق عباب الغروب، ولا غلبة إلا للألم.. فهل من قلب يحتمل القتال في ساحة الشوك، حد التأقلم مع وخز الواقع المروّض.. تحت أي فرضيات يمكن أن نمضي؛ ثم علينا الرضوخ تحت سيف القسوة المثلوم.. ومزركشات الأيام غابت عن العيون.
لآلئ آثرت تحت وطء النوم افتراش الثرى.. في غياب حيث لا وداع.. ولا استئذان.. وهم من كانوا لا يغادرون الباب الخشبي إلا بدعوات الأم؛ التائهة عيونها خلفهم طلباً للنجاة والعودة..
ها نحن نلملم بقايا أشلائنا.. نطلب الصفح من الزمان، بقوّةِ وسندِ ربٍّ أكرمهم ليكونوا خالدين.. بعيداً عن ضنك الحياة التي تصارعنا.. لتصرعنا بنهب الأحبة مرة تلو أخرى.. تتصدع قلوبنا وهي تبحث عن أحلام مسروقة تحت النحيب.. تشرخ أيامنا.. وتكتب على جباهنا آيات القدر..
غابوا في مواسم العطاء، حين أزهر الربيع، لكن اختلست رياح الخماسين سنابل قمحهم.. وريان حبهم.. ووسامة محياهم، كلما أبرق القمر رسائل الحب الشجية.. ونقاء الشمس البهية التي تشرق مع صباحاتهم، راسمة ابتسامات الأمل ذاك المتواري خلف الضياع.. فتكفهر حياتنا إلى الأبد.. حتى لتصير آلامنا أشبه بالنبيذ المعتق.. لكننا لن نستسيغها مهما مر عليها الزمان..
التاريخ: الثلاثاء8-2-2022
رقم العدد :1082