الملحق الثقافي:
لايمكن لأي باحث في تاريخ الكتاب والمكتبات أن يكتب حرفاً عن ذلك دون المرور على أبجدية أوغاريت التي كانت أول تدوين في التاريخ للكلام المنطوق وبالتالي معها بدا عصر الكتاب والمكتبات التي نشأت في بلاد الرافدين أي العراق وسورية، ولايستقيم ذكر المكتبات وتاريخها دون المرور على بعض هذه المكتبات.
أوغاريت
قدمت أوغاريت للعالم واحدة من أقدم الأبجديات المكتوبة في التاريخ (الأبجدية الأوغاريتية)، التي ترقى إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وتُدرس حالياً في 40 جامعة في العالم.
من خلالها اختصرت الإشارات المسمارية الكتابية من 600 إشارة إلى 30 حرفاً، ومعظم النصوص التي سطرت بهذه اللغة هي نصوص اقتصادية وأدبية. والنسخة الأصلية من رقم فخاري بطول 5.5 سم وعرض 1.3 سم محفوظة حالياً في متحف دمشق الوطني. وتتصل هذه الأبجدية بصلة القربى بكل من اللغات الكنعانية والآرامية والعربية والعبرية التوراتية، وكلها تنتمي إلى عائلة اللغات السامية، وتنقسم هذه العائلة إلى عدد من المجموعات هي:
– السامية الشمالية الشرقية، واستخدمت في وادي الرافدين، وتضم الأكادية بلهجتيها البابلية والآشورية.
– السامية الشمالية الغربية، وتحتوي على الأوغاريتية والفينيقية والمؤابية والعبرية، وعدد آخر من اللهجات الكنعانية.
– السامية الجنوبية، وتحتوي على العربية الكلاسيكية، والعربية الجنوبية القديمة والأثيوبية.
أقدم مقطوعة موسيقية
تعتبر أوغاريت المؤسس الحقيقي للموسيقا الغربية، حيث إن أقدم القطع الموسيقية المدونة في العالم والتي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد- سبقت فيثاغورث بألف سنة كاملة- اكتشفت عام 1950 في مدينة أوغاريت، وقام بفك رموزها الكاتب ريتشارد دمبريل صاحب كتاب «آثار علم الموسيقا في الشرق الأدنى القديم».
دوّنت نحو عام 1400 قبل الميلاد مجموعة موسيقية تحوي 36 أغنية أطلق عليها اسم «الأغاني الحرانية»، حفرت بالخط المسماري على ألواح من الطين. ويبدو أنها ألفت تضرعاً للآلهة، وإحداها وجدت بشكل شبه كامل ما يجعلها أقرب مثال معروف للتدوين الموسيقي في العالم. رابط المقطوعة:
مكتباتها
دلت الوثائق الكتابية التاريخية أن هذه المدينة كانت ذات يوم مركزاً ثقافياً وتعليمياً وحضارياً مرموقاً. فقد اكتشفت فيها مكتبات عدة إحداها كانت لرئيس الكهنة، ومكتبة أخرى في بيت أحد الموظفين الملكيين ومكتبات أخرى متفرقة. وعثر في هذه المكتبات على كتب دينية وثقافية، ورسائل تجارية من بلدان أخرى، ومعاجم متعددة للغات سومرية أكادية أوغاريتية، ونصوص أدبية ودينية وعلمية كما عثر على مقطع للأسطورة السومرية الشهيرة «جلجامش
مكتبة إيبلا
تعد مكتبة مدينة إيبلا (مدينة أثرية قديمة شكلت حضارة ومملكة عريقة ازدهرت في شمال غرب سورية في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد) أول مكتبة من هذا النوع في التاريخ، وما زالت أفضل نموذج محفوظ للآن، وقد تم اكتشافها في العام ١٩٧٥ عندما حفر علماء الآثار القصر القديم للمدينة، فكانت هناك غرفة أرشيف مستطيلة الشكل تبلغ أبعادها خمسة أمتار * أربعة أمتار، يظهر أن الأرفف المتهالكة كانت تغطي جميع حوائطها واحتوت على ما يقارب ١٥٠٠ لوح صلصالي مختلفة الأحجام، فكان أصغرها طوله ٢سم ويبلغ سُمكه عدة مليمترات فقط، أما أكبرها فتصل أبعاده ٣٠ سم * ٤٠ سم ويبلغ سُمكه ٤-٨ سم، محافظة على شكلها بالرغم من الحريق الذي أثبت علماء الآثار حدوثه في هذا القصر ما بين ٢٥٠٠-٢٢٥٠ قبل الميلاد، ويعود الفضل لمقاومة هذه الألواح لكل هذه الظروف القاسية إلى طريقة صنعها حيث أنه وبعد النقش عليها يتم تجفيفها داخل أفران للحفاظ على النقوش بشكل دائم، وبذلك لم تؤثر النار عليها واستطاعت مقاومة بقية العوامل الزمنية والطبيعية، وبذلك تكون مكتبة إبلا المكتبة الوحيدة التي قاومت النار على مر التاريخ، حيث إن للنار مع المكتبات الكثير من القصص المؤلمة والتي سيتم التطرق إليها لاحقاً. وهكذا قاومت حضارة بلاد الرافدين هاجس الإنسان الأكبر، الموت والنسيان وذلك عن طريق فن الكتابة الذي خلد حضارتهم، وحافظ على تعاملاتهم.
محتوى مكتبة إيبلا:
الألواح التي تم اكتشافها هي خليط من سجلات احتوت على نصوص ثنائية اللغة، تعاويذ، ونصوص عن الأساطير السومرية. كانت كما بدت مرتبة على أرفف بطريقة مختلفة عن التي نرتب بها كتبنا اليوم فقد وجد علماء الآثار هذه الألواح موسومة من جهة القارئ بطريقة تظهر أنها كانت مرتبة في صفوف، لوح ومن خلفه الآخر على أرفف متباعدة نسبياً عن بعضها بعضا، قدر العلماء هذا التباعد بضعف حجم اللوح نفسه حتى يتسنى للقارئ رفع الألواح الخلفية بسهولة. التصميم الذي وجدت عليه مكتبة إيبلا كان مقارباً لكل ما اكتشف بعدها عن تلك الحقبة الزمنية مع ملاحظة طرق مختلفة أخرى يتم بها ترتيب الألواح، فوجدت في بعض المناطق صناديق طينية توضع بها الألواح عمودياً في مجموعات، ويوضع على كل مجموعة قطعة طينية موسومة برقم وملحوظة تسهل على الباحث الوصول للوح المراد.
تطورت الكتابة المسمارية من كتابة أرقام وحروف فقط إلى كتابة عبارات أطول، فكُتبت لغات كثيرة بهذا النوع من الكتابة منها الآكادية والآرامية، الإبلاوية، العيلامية وغيرها من اللغات تصل إلى خمس عشرة لغة، واستمرت من حكم السومريين والأكديين والآشوريين. بذلك حافظت الكتابة المسمارية على حفظ هذه اللغات لما يقارب ٣٥٠٠ سنة وغطت مناطق واسعة تضم حالياً سورية والعراق وغرب إيران. ومن هنا تظهر أهمية فن الكتابة وأهمية الكاتب التي جسدتها حضارة بلاد الرافدين إذ إن الناس كانوا يحتاجونه لإيصال الرسائل ونشر الأخبار وتدوين أوامر الملك وتسجيل القوانين وتدوين الصفقات التجارية والأعمال الإقتصادية، تدوين تشخيص الأمراض والوصفات الطبية ومرافقة الحملات العسكرية والكثير الكثير من الأمور التي لم يكن حدوثها ممكناً دون الكتابة والكاتب، فكان لفن الكتابة والمكتبات الكثير من الاهتمام حتى ظهرت أكثر المكتبات تطوراً في تلك الحقبة الزمنية وهي مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال وما تلاها في الحضارات القديمة المختلفة.
مكتبة لكش
من المعتقد ان مكتبة لكش وجدت في المعبد الرئيس لمدينة لكش( 2750-2300 ) ق.م كان أول من كشف النقاب عن أثر موقع المعبد هو القنصل الفرنسي دي سارازاك خلال الأعوام ( 1891-1877 ) إلا أنه لم يهتد إلى دار السجلات..وأغلب الظن أن الناس الذين عاشوا في تلك المنطقة قد وجدوها في أثناء حفرياتهم العشوائية،ولذلك فإن المئات من الرقم الطينية نقلت وبيعت خارج العراق ومن تلك الرقم ما يعطينا معلومات الحروب التي كانت بين العلاميين وملك لكش (ايناتم)( 2750 ق.م تقريباً.
وكانت الرقم في دار السجلات بلكش منظمة في صفين من الطابوق كالأسرة وفي باطنها وضعت الألواح في عدة طبقات منسقة، ولقد وجدت في المعبد أكثر من حجرة ملأى بالرقم بأحجام مختلفة تتراوح بين إنجين مربعين واثني عشر إنجاً مربعاً وبعضها مكدساً وبعضها الآخر كان منظماً على رفوف مخصصة له.وكانت الألواح الصغيرة محفوظة في قوارير ضخمة، وكانت دار السجلات بصورة رئيسة تتضمن وثائق المعبد والعديد منها كان يحتوي على مستندات تجارية تتعلق بمعاملات عامة وخاصة.
مكتبة نيبور:
لنيبور (نفر) المدينة السومرية، دار للسجلات تشغل جزءاً من المعبد الرئيس للمدينة 2700-1200 )ق.م وقد نقبت بعثة أثرية أميركية بإشراف جون بيترز فيها خلال (1988-1980) فوجدت ما يتراوح 30000-40000 مادة مدونة منها على نحو 2000 لوح طيني، وقد ظهر أن بعضاً من هذه الألواح كان سجلاً لسلالة الكاسانيين، وبعضها الآخر يتعلق بشؤون معبد انليل العظيم، وهومن أقدم المعابد في العالم، بين هذه الرقم مستندات تتعلق بصورة رئيسة بالصفقات المالية للبيع والشراء، وكذلك قوائم الملوك التاريخية التي تدرج أسماء الملوك السومريين والأحداث العظيمة الأهمية التي حصلت في سنوات حكمهم كما وجدت جداول رياضية مختلفة منها جدول الضرب وأسماء جغرافية للجبال وبعض المناطق وانساب العائلات بينما لم يعثر على ألواح تتعلق بالأدب، ويبدو من هذه الألواح أن السومريين كانوا مولعين بدراسة تاريخ الأزمنة القديمة.
كانت الألواح الطينية تحفظ في دار السجلات على رفوف مصنوعة من جذوع النخيل أو من الطين أو القش الذي لايزال مستعملاً في بناء أكواخ الفلاحين هذه الأيام.
وقد وجد لوحان مهمان في هذه الخزانة القديمة (قائمة الكتب) وقد كشفت عن إحدهما بعثة متحف جامعة بنسلفانيا وقد نسخ عليه اثنان وسبعون عملاً أدبياً، أما الآخر الذي يعود إلى متحف اللوفر فيتضمن ثمانية وستين عنواناً، ثلاثة وأربعون منها متشابهة بالرغم من أن تنسيقها كان مختلفاً، وقد كان الموضوع الرئيس في هذه الأعمال المنقوشة في لوح الجامعة الضخم هو الحكمة فضلاً عن ذلك فقد كانت هناك مدرسة ملحقة بالمعبد، وكانت هناك الآف من الألواح التي تمثل نصوصاً مقررة لموضوعات تعليمية كالديانة والفلك وطرق البيع والشراء.ولما كانت الألواح تؤلف رفوفاً مقسمة بتناسق فإننا نستطيع الافتراض بأن الطلبة كانت لديهم مجموعة غنية ضخمة من المراجع الجيدة.
مكتبة سيبارا
كانت سيبارا إحدى المدن القديمة لوادي الرافدين 2400-689 ق.م وكانت دار السجلات في معبد سيبارا تدار من قبل كاهن مكتبي كما هو الحال في معظم مكتبات وادي الرافدين، وممن نقب في أطلال سيبارا الآثاري العراقي الهاوي هرمز رسام وذلك خلال السنوات ( 1878-1881 ). وقد وجد آلاف الألواح الطينية المحفوظة الآن في المتحف البريطاني.وصنفت هذه الرقم ورتبت بشكل منسق على الرفوف.ومن بين اوسع الموضوعات تناولا في هذه المجموعة كانت الصفقات التجارية. وقد عدوا المجموعه مابين 40,0000 – 50000 رقيم، ولكن الكثير من هذه الرقم لم يشو بشكل جيد ولذلك فقد تكسرت وتناثرت قطعها، ووجد هرمز رسام في موضع الرقم لوحاً طينياً يتضمن قصة الخليقة ويكشف أن نيبور كانت من أكثر المدن السومرية ايغالا في القدم.
مكتبة نينوى:
من المعتقد أن مكتبة شور بانيبال في نينوى كانت أعظم مكتبة عرفت حتى الآن في التاريخ القديم إلا أن بعض المؤرخين والباحثين يقولون إن مكتبة الاسكندرية كانت أعظم منها بكثير، وكان أول من نقب في تل (قوينجق) بنينوى هو (بول بوتا) القنصل الفرنسي في عام 1842.وفي عام 1845 كان الموضوع قد كشف، وكان السير أوستن هنري ليارد يتراسل مع بوتا الذي أمده بأوصاف ومخططات ذلك الموضع، وقد ساعد ذلك السير ليارد في إماطة اللثام عن بقايا قصر آشور بانيبال ومكتبته العظيمة في ما بين 1845-1851 وفي أطلال القصر نقب عن محتويات لا تقدر بثمن من المكتبة الملكية التي كانت محفوظة بتنظيم بالغة الدقة (لمدة 2400) سنة، لقد نقل آشور بانيبال الكثير من هذه الألواح إلى نينوى من قصر ابيه اسرحدون ومن سائر البلاد المعروفة حتى غصت قاعات المكتبة بالألواح، وقد وجد منها أكثر من 25000 لوح مع عدد يسير من أوراق البردي، حفظ أغلبها في المتحف البريطاني ومتحف اللوفر بباريس.
وكان آشور بانيبال قد أمر نساخه بالبحث في جميع أنحاء العالم المعروف آنذاك عن الألواح ونسخ ما يعثرون عليه من كتابات وأعمال تمثل التراث السومري والثقافة البابلية التي سبقته.وأكبر الظن أنه أمرهم أن يحفروا بحثاً عن الألواح المدفونة أيضاً وبذلك تمثل مجموعة آشور بانيبال تقليداً مكتبياً متكاملاً من الأعمال المختلفة وخصوصاً تلك الموضوعات التي أولع بها آشور بانيبال نفسه كالسحر والطقوس الدينية والفأل والتكهن بالغيب.
وقد وجد في مكتبة نينوى نوع من التصنيف العام يدعى بالتصنيف الملكي، وخصصت أركاناً معينة لبعض الموضوعات المهمة، وفوق أبواب المداخل نقشت قائمة بالمحتويات بحسب ترتيبها على الرفوف أو في أوعية فخارية أو مزهريات، وأكبر الظن أن طريقة الإعارة التي اعتمدت على التنسيق الحسابي كانت أعظم ما قدمته بشأن التنظيم المكتبي.
وقد اشتملت المكتبة على قاعتين أو حجرتين ضخمتين من القصر وممر طويل ربما كان ركن الإعارة وفي الأغلب أن مجمل تاريخ وادي الرافدين قد كشف عنه من خلال تفسير الكتابات السومرية -الاكدية التي احتوتها مجموعة المكتبة الملكية في نينوى.
إن أساليب الختم والفهرسة التي استعملت في هذه المكتبة كانت متقدمة جداً بالنسبة إلى الأساليب المماثلة التي استعملت في المكتبات المصرية والعبرانية والحثية إذ إن الرقم الطينية رتبت بحسب موضوعاتها التي تكتب عادة إما في الزاوية العليا من اللوح وإما على رقع منفصلة توضع على الرفوف.
ومن بين المكتشفات النفيسة الألواح الاثنا عشر التي تصور ملحمة جلجامش التي يعتقد أنها مصدر قصة الطوفان في العهد القديم التوراة، كذلك مجموعة الألواح التي لاتقدر بثمن تشتمل على:
1. دائرة معارف لقواعد اللغة الآشورية والبابلية
2. جدول بأسماء ضباط ايبونيموس
3. سلسلة تاريخ مملكتي بابل وآشور
4. معاجم جغرافية
5. قائمة أسماء العلوم التي تستعمل في البلاد
6. مجموعة المستندات الاحصائية
7. مقالة عن الحقوق الخاصة
إن الكلدانيين والميدين وغيرهم من الغزاة لم يعنوا كثيراً بالمكتبات ودور السجلات عناية الآشوريين ومن قبلهم السومريون بمكتباتهم،وعلى هجمات هؤلاء الغزاة تحطم ذلك البناء ( القصر الملكي الآشوري وحجرات الرقم النفيسة وذلك بواسطة دفع الجدران بآلة الكبش التي تستعمل لدك أسوارالمدن المحاصرة، ولذلك فقد دفنت الجدران المتساقطة ألواح المكتبة وساعدت في حفظها مطمورة لمدة 24 قرناً تقريباً.
مكتبات أخرى:
هنالك مكتبات أخرى أو بالأحرى دور سجلات اكتشفت في وادي الرافدين وكانت في الغالب تشكل جزءاً أساسياً من معبد المدينة أو من قصور الحكام والملوك، وكانت هذه السجلات والوثائق تشتمل على أساطير وحكايات دينية وميثولوجية وعلى عقود قانونية وتجارية وكذلك أوامر الحكام والملوك.ومن أشهر دور السجلات التي لم تذكر.
1. مكتبة الملك دنكي أو شلكي حديثاً تدعى(دريهم) 2150-2100 ق.م تقريباً
2. مكتبة أدب حديثا تدعى بسمايا 2400 ق.م تقريباً
3. مكتبة كيش حديثاً تدعى تل الاحيمر 2000 ق.م
التاريخ: الثلاثاء8-2-2022
رقم العدد :1082