الملحق الثقافي:غسان شمه:
لم يسلم الكتاب والمكتبات من شراسة الحروب وبشاعتها، لا بل إن حرق المكتبات وإبادة ما تحتويه من كنوز معرفية وثقافية، لم يكن حادثاً على هامش تلك الحروب في كثير من الأحيان، بل تعبيراً شرساً و»دموياً « كشف عن موقف عدائي بشع وخاصة عندما يلجأ إليه البعض كموقف على سبيل الانتقام لفكرة تتسم بالتعصب لمذهب أو اتجاه، كما حدث قديماً حين أحرق العلماء والكتب في عهد أسرة تشين في الصين، وكما أحرق الإسبان مخطوطات المايا، ولم يشذ عن هذا الفعل العدائي للفكر والثقافة أساطين النازية الذين أحرقوا بدورهم الكتب والمكتبات….
لحرائق المكتبات تاريخ من الحبر المهرق بسبب عدائية تتمظهر بأشكال مختلفة، ولعلنا نتوقف عند بعضها بسبب أهميتها وأثرها الكبير في فقدان الكثير من هذه الكنوز نتيجة قرار رافض للمنجز الحضاري.. حيث أحرقت مكتبة آشور بانيبال سنة 612 ق.م وهي عبارة عن ألواح طينية كانت تحوي نصوصاً من القرن السابع قبل الميلاد..
وشهد عام 48 ق. م حريقاً ضخماً أتى على مكتبة الإسكندرية «المكتبة العظمى» وهي أول وأعظم مكتبة عرفت في التاريخ حتى ذلك الوقت، بحسب الدراسات، وضمت «700» ألف مجلد بينها أعمال لهوميروس وأرسطو وهي أقدم مكتبة حكومية في العالم القديم.. وذلك في زمن يوليوس قيصر الذي حاصر الإسكندرية وأحرق أكثر من مئة سفينة على شاطىء المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية.
ومن المكتبات الضخمة التي تعرضت للحريق مكتبة «القصر الكبير» التي أسسها الخليفة الحاكم بأمر الله وضمت ما يقارب الـ «1600000» مجلد احتوت على كنوز معرفية وثقافية ودينية كثيرة..
وربما يجدر بنا التعريج على بعض الأفراد من المفكرين الذين أصابهم الإحباط والقنوط من عصرهم الضنين بالإنسانية فأحرقوا كتبهم كالتوحيدي، العالم بالنحو واللغة والفقه والكلام، وقد لجأ لذلك احتجاجاً على شعوره بالحرمان والإهمال والفقر بعد معاناة طويلة..
من نافل القول إن حرق الكتب والمكتبات هو «انتصار» لكل ما يحارب العقل والفكر والمنجز الإنساني في سياق الحضارة التي تتجه لبناء الإنسان « فكراً وروحاً، في كل زمان ومكان.
التاريخ: الثلاثاء15-2-2022
رقم العدد :1083