الملحق الثقافي:
هل تتبعت يوماً ما تاريخ إبادة الكتب والمكتبات منذ أن كان الكتاب إلى اليوم ؟
بالتأكيد الأمر ليس سهلاً ودونه الكثير من العناء والتعب والجهد ..
لكن ثمة من فعل ذلك وخرج بمؤلفات توثق لهذا التوحش الذي لم يتوقف ،صحيح لم يعد الحرق أو الإبادة المادية موجودين لكن الطرق أصبحت أكثر خبثاً ..
في كتابه ( كتاب الغرب ) الصادر عن دار التكوين بدمشق يكتب أدونيس مقالاً في الكتاب ص ٧٤٨ تحت عنوان : كتب إلى النار ..يتناول فيها كتاباً فرنسياً صدر في باريس عن دار دو نويل للمستعرب لوسيان بو لا سترون تحت عنوان كتب تحترق ..وفيه تابع تاريخ حرق المكتبات منذ الفراعنة إلى اليوم ..
إذ بدأ تدمير المكتبات منذ عهد الفراعنة في القرن الرابع قبل الميلاد
وكذلك تدمير المكتبة الآشورية سنة ٦٢٥ قبل الميلاد .
وكذلك تدمير الكتب في الإمبراطورية الصينية وفي أوروبا أيضاً ..
تاريخ إحراق وإبادة الكتب حدث تكاد تشترك فيه معظم ما يسمى ( الحضارات ) قديمها وحديثها ..
أما كتاب إبادة الكتب والمكتبات الذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية فهو مهم جداً لكنه كتب برؤية غير محايدة وليست دقيقة أبدا إذ عمدت المؤلفة إلى تبرئة الغرب من هذه الجرائم وكذلك الكيان الصهيوني وقد أشار إلى ذلك
إبراهيم بن أحمد الصلتي إذ قدم قراءة تحليلية عميقة لهذا الكتاب يقول الصلتي :
ظلت الكتب والمكتبات على مدى التاريخ البشري عرضة للتدمير والتلف والحرق، وقد نالت نصيبها من الإهمال في فترات طويلة من عمر البشرية، وكانت الكتب والمكتبات ضحية لكوارث طبيعية مثل السيول والزلازل وغيرها من حوادث الطبيعة، إلا أنها أيضاً واجهت كوارث متعمدة من صنع الإنسان نفسه الذي أوجدها وخط فيها فكره وصاغ فيها رؤيته ووثق مسيرته البشرية، كذلك وقعت الكتب والمكتبات ضحية الإهمال من حيث الدراسة والبحث عن الأسباب والدوافع في إبادتها وحرق كنوز المعرفة فيها.
إن قضية إبادة الكتب قضية تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والدراسة ومعرفة الدوافع والغايات التي تدفع الأفراد أو الأنظمة إلى تدمير الكتب والمكتبات، حيث تشكل الدراسة والبحث ومعرفة الأسباب أهمية كبرى للأجيال التي ضعف اهتمامها بالكتب والمكتبات والقراءة وعدم امتلاكها لأدوات البحث والتفكيك والقراءة الواعية والتي تساهم في دائرة التفكير والإدراك لما يدور حولها.
تنطلق ربيكا نوث في كتابها (إبادة الكتب: تدمير الكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية في القرن العشرين) والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، ضمن سلسلة عالم المعرفة 2018م والذي ترجمه عاطف سيد عثمان ويقع الكتاب في 375 صفحة مقسم إلى تسعة فصول من الحجم المتوسط؛ تنطلق من طرح العديد من الأسئلة التي ارتكزت عليها المؤلفة في تأليف هذا الكتاب والحاجة التي دعتها في لفت الانتباه إلى دور الأنظمة السياسية في القرن العشرين إلى إبادة الكتب وحرق المكتبات.
استخدمت المؤلفة اللغة السهلة والمفهومة للباحثين وللقراء المستنيرين مبتعدة بذلك عن المصطلحات الغارقة في التخصص لأن الكتاب كما تقول المؤلفة : جاء ليحقق مصلحة عامة في تجاوز الانفعال وصولاً إلى قراءة آليات التدمير المنهجي للكتب والمكتبات.
استخدمت المؤلفة مصطلح إبادة الكتب للإشارة إلى التدمير واسع النطاق للكتب والمكتبات ويدخل هذا المصطلح داخل إطار الإبادة الجماعية والأثنية، إلا أن ظاهرة إبادة الكتب ظلت غير مرئية إلى حدّ بعيد.
وأشارت المؤلفة إلى أن مصطلح الإبادة الجماعية تم تعريفه من قبل الأمم المتحدة في اتفاقيتها لعام 1948م بأنها الأفعال التي تستهدف إلحاق الأذى الجسدي وفرض ظروف معيشية مادية بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية.
كما تم طرح مصطلح الإبادة الأثنية بطريقة غير رسمية لوصف الارتكاب المنظم لجرائم معينة بغرض القضاء على ثقافة ما، سواء قضاء كلياً أو على جزء جوهري منها.
تشير المؤلفة بعد بيان التعريف إلى الفرق بين الإبادة الجماعية والإبادة الأثنية ومن ثم حدوث خلط غير متعمد بين المصطلحين وذلك بسبب تتابع وتزامن التدمير البشري والثقافي في الوقت نفسه.
ومن الملاحظ أن مصطلح الإبادة الأثنية لم يحظ بالكثير من الاهتمام والدراسة والبحث بالرغم من أن الدوافع الأساسية للإبادة الجماعية يكون منطلقها في الكثير من الأحيان هو تدمير الثقافة والنفي والاقصاء لجماعة ما، ولذلك يتم مهاجمة الكتب والمكتبات لإخفاء كل ما يشير إلى جماعة بشرية معينة وكل منجزاتها الثقافية والحضارية.
أما عن الأسباب التي جعلتها تحصر تدمير الكتب والمكتبات في القرن العشرين وهو أنه لم يتم توثيق التدمير الذي حصل للكتب والمكتبات في القرون الماضية توثيقاً منهجياً ولم يتم حصر عدد المكتبات التي تمّ حرقها وتدميرها، كما أنها أرادت التركيز على القرن العشرين لأن الأنظمة السياسية هي من قامت بفعل التدمير المنهجي والمتعمد للكتب والمكتبات، كما أن القرن العشرين يعتبر الأكثر دموية من بين القرون التي مرّت على البشرية، حيث بدأ القرن العشرين ومن خلال الإبادة الألمانية لشعب الهيريرو بجنوب أفريقيا في الفترة من عام 1904م
قدّمت المؤلفة في الكتاب خمسة براهين لأنظمة سياسية سعت إلى تدمير متعمد للكتب والمكتبات وهذه الأنظمة كان لديها هدف مرسوم وخطط مسوغة بعناية في إطار الصراعات التي اندلعت بين رؤى متعارضة للعالم في القرن العشرين، حيث سعت هذه الأنظمة المتطرفة نحو بناء يوتوبيا أرضية انتهكت كلّ الحدود المتخيلة إذ تحولت منظوماتها العقائدية إلى إيديولوجيات راديكالية.
تعترف المؤلفة عن خياراتها بشأن اللغة المستخدمة في كتابة الكتاب والنظرية التي اعتمدتها فيه بالإضافة إلى دراسة الحالات الخمس؛تعترف بأن ذلك مرده إلى النزعة الإنسية الديمقراطية الليبرالية التي تؤمن بها.
إلا أن المؤلفة وبعد تقديمها لهذه النماذج الخمسة من أنظمة اعتبرتها أشد عداوة وضراوة على الكتب والمكتبات والثقافة والحضارة حيث تجاهلت وبشكل متعمد أهم نموذج في القرن العشرين وهو النموذج الصهيوني المحتل لأراض عربية والتي سعت منذ اليوم الأول لاحتلالها على مسح وتغييب وتدمير متعمد لهوية السكان الأصليين وعلى تغليب الديانة اليهودية على حساب أهم ديانتين في الشرق الأوسط وهي الديانة الإسلامية والديانة المسيحية.
استطاعت المؤلفة الإجابة عن العديد من التساؤلات وأوضحت الكثير من الجوانب المهمة في قضية إبادة الكتب وحرق المكتبات، وما تفعله الأنظمة المتطرفة من إبادات جماعية وإثنية ، غايتها القضاء الكلي أوبعض جوانبه من ثقافة وحضارة جماعة ما.
التاريخ: الثلاثاء15-2-2022
رقم العدد :1083