بقلم الدكتور مازن سليم خضور:
بكل تأكيد أنت تعرف “كرة القدم” نعم اللعبة الشعبية الأولى في العالم والتي تعتمد اللعب الجماعي وفيها الكرت الأصفر والأحمر عند المخالفة وارتكاب الأخطاء من جهة واستخدام العنف اللا مشروع وإلحاق الضرر على الفريق الآخر.
لكن تعرف “كرة القدم الأميركية”؟ وهي واحدة من أخطر الرياضات حول العالم حتى يومنا هذا ويُصاب فيها أكثر من 480 ألف شخص سنوياً وفق مجموعة من الإحصائيات، الرياضة مؤلمة للغاية كما لو أنها مصممة خصيصًا لزيارة المستشفى والسبب في ذلك هو قواعد اللعبة نفسها لذلك، وفي المتوسط، يتلقى كل لاعب 3 إصابات طفيفة خلال اللعبة 25٪ من الرياضيين يتعرضون لإصابات خطيرة في كل مباراة.
هذا كله يقودنا إلى موضوع العنف في الثقافة الأميركية التي تتحدث الإحصائيات عن إطلاق نار كل 12 دقيقة و430 قتيلاً في أسبوع واحد.
يعد مفهوم العنف من المفاهيم التي يصعب تحديدها، أو إطلاق تعميمات بشأنها نظراً لما يشير إليه المعنى ويعرف العنف بأنه “السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن وتستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحا بدائيا كالضرب والقتل لأفراد والكسر للممتلكات واستخدام القوة والإكراه ويمكن أن يكون فرديا أو جماعيا أو عن هيئة أو مؤسسة”.
فللعنف العديد من التعاريف التي تختلف من ثقافة إلى أخرى كون المفهوم نسبي وتتداخل العديد من العوامل في تحديد مفهومه فما يمكن أن يكون سلوك عنيف في مجتمع ما قد يصبح سلوكا مشروعا في مجتمع آخر، وينظر علماء الاجتماع إلى مفهوم العنف على أنه تعبير صارم عن القوة التي تمارس لإجبار فرد أو جماعة على القيام بعمل أو أعمال محددة يريدها فرد أو جماعة أخرى ويعبر العنف عن القوة القاهرة حين تتخذ أسلوبا فيزيقيا مثل الضرب.
تحدثت تصنيفات العنف إلى تصنيفات منها العنف المشروع وهو الذي يستخدمه صاحبه يحق في إطار النظام القانوني كالعنف الذي يستخدمه رجال الشرطة في القبض على المجرمين، والعنف اللامشروع وهو الذي يخالف المعايير الاجتماعية والقانونية وقد يكون عنفاً بدنياً أو شفوياً وهو ضار بمصالح الآخرين ومن أسبابه أسباب بيولوجية كالعيوب الخلقية والأسباب اجتماعية والنفسية والثقافية والدينية.
وهناك مجموعة من النظريات المفسرة للعنف والتي سنتناول أهمها والتي تفسر الظاهرة التي نتحدث عنها – العنف في الولايات المتحدة الأميركية- ومنها نظرية التعلم الاجتماعي وهي من أكثر النظريات شيوعا في تفسير العنف وهي تفترض أن الأشخاص يتعلمون العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى، وأن عملية التعلم هذه تبدأ بالأسرة بينما مدرسة التنشئة الاجتماعية وهي تضع فرضية يعتبرها البعض جدلية تتمثل بأن العنف يتم تعلمه واكتسابه من خلال التنشئة الاجتماعية بما في ذلك أن يتشرب الطفل مشاعر التمييز والعنصرية.
أما نظرية الأصول البيولوجية تبدو هذه الدراسة أكثر تركيزا في تفسيرا العنف من خلال الجينات الوراثية للسلوك, بينما أدرك “فرويد” في نظرية التحليل النفسي أن العدوان يكون موجهاً إلى حد كبير للخارج، ثم أدرك بعد ذلك أن العدوان يكون موجهاً على نحو متزايد للداخل منتهياً عند أقصى مدى وهو الموت ونظر “فرويد” إلى العدوان باعتباره ذا منشأ داخلي، وضغط مستمر يتطلب التفريغ (التنفيس) “فرويد” يفسر العدوان على أنه دافع غريزي يتراكم ويتجمع داخل الفرد.
كل هذا يقودنا إلى العنف الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية في كل المستويات سواء من ناحية الأفراد وهو ما نشاهده في المدارس والجامعات الأميركية واستخدام العنف والسلاح فيها حيث ذكر تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أن العنف في المدارس الأمريكية بالأسلحة النارية، سجل رقما قياسيا في عام 2018.
وأضاف التقرير أن المدارس بالولايات المتحدة شهدت في عام 2018 عنفا بالأسلحة النارية لم يسبق له مثيل في السنوات الـ20 الماضية من حيث عدد الحوادث ودرجة الدمار وأشار التقرير إلى أن أكثر من 4 ملايين طفل في 2017 عانوا من إغلاق المدارس بسبب تهديدات مختلفة، ترتبط 61 % منها على الأقل بالأسلحة النارية، مضيفا أن العديد من الطلاب صُدموا نتيجة العنف.
هذا على مستوى الأفراد بينما على مستوى الجماعات نشاهد مناطق معينة مشهورة على مستوى العالم بالعنف والتخلي عن القانون مثل ” شيكاغو” في الولايات المتحدة التي انتشرت فيها الجريمة في مناطق كانت تعتبر آمنة، ولم يستثن الارتفاع اي فئة من جرائم العنف. ففي دراسة حديثة (2021) أشارت أن إطلاق النار على الطرق السريعة وصل إلى مستوى غير مسبوق، ووفق الدراسة فإن شيكاغو التي تُعدّ ثالث أكبر مدينة أميركية، ليست حالة معزولة، ففي كل أنحاء الولايات المتحدة ثمة مدن تشهد تصاعداً للعنف.
وقالت المديرة التنفيذية لمختبر “كرايم لاب” المعني بدراسة الجريمة في جامعة شيكاغو روزيانا أندير إن “لا أحد يعرف حقاً ما أدى إلى هذا الارتفاع” في “الجرائم التي تُستخدَم فيها الأسلحة” وأنواع أخرى من جرائم العنف”.
وبالتالي طالما العنف موجود وبقوة من خلال التنشئة الاجتماعية للأفراد والجماعات فهذا يعني الامتداد سيكون ممتدا إلى عنف الدولة واستخدام العنف المفرط وهذا ما شاهدناه في سورية من خلال احتلال العديد من المناطق وهدم مدينة الرقة وتدميرها وتهجير سكانها وسرقة خيرات السوريين وثرواتهم وارتكاب الجرائم بحقهم وهذا ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز التي كشفت أن جيش الاحتلال الأمريكي تعمد إخفاء جريمة ارتكبها بحق المدنيين في سورية عام 2019 وأوقعت 64 ضحية من النساء والأطفال، وذكرت الصحيفة في تقرير أن ضربتين جويتين متتاليتين نفذتهما القوات الجوية الأمريكية قرب قرية الباغوز بريف دير الزور بأمر من وحدة عمليات خاصة أمريكية سرية مشيرة إلى أنها “جريمة حرب محتملة” ولفتت الصحيفة إلى أن “القيادة المركزية الأمريكية” التي أشرفت على العمليات الجوية الأمريكية في سورية اعترفت بالضربتين لأول مرة.
المشهد تكرر لاسيما في سجن أبو غريب بالعراق أو معتقل غوانتانامو والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وهي التي تدعي الدفاع عن هذه الحقوق ليكون السؤال هل تستطيع الدولة التي تدعي حماية الأبرياء في العالم حماية مواطنيها من أنفسهم!.