الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
منذ حدوث التغييرات الدراماتيكية في أوكرانيا، عادت الولايات المتحدة، التي وعدت مراراً وتكراراً بحماية كييف في اللحظات الحرجة، وواصلت “صب الزيت على النار” إلى دائرة الضوء مرة أخرى.
فقد اشتكى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب فيديو أن الدول الغربية تخلت عن أوكرانيا وتركتها وحدها للدفاع عن نفسها.. حتى أن بعض مستخدمي الإنترنت الغربيين سألوا: أين هي الولايات المتحدة التي أثارت الحرب وكانت تقول إنها “ستقف مع أوكرانيا؟”.
هل اختفت الولايات المتحدة حقاً؟ على العكس من ذلك ، فهي مشغولة للغاية في اكتساب المزيد من “المصالح الاستراتيجية” من لهيب الحرب في أوكرانيا، فقد أبرزت التصريحات الأمريكية الأخيرة بشأن الوضع في أوكرانيا الصادرة عن البيت الأبيض نقطتين: أولاً ، تحويل روسيا إلى “دولة منبوذة على المسرح الدولي” من خلال العقوبات وغيرها من الإجراءات، ثانياً، كان الناتو “أكثر اتحاداً وتصميماً من أي وقت مضى”، وهذا يُعتبر من “الأخبار السارة” بالنسبة لواشنطن والغرب.
أما بالنسبة لأوكرانيا، التي تستخدمها واشنطن كبيدق، فبالإضافة إلى إعادة التأكيد على أنها لن ترسل قوات إلى هناك، قالت ببساطة إنها “ستدعم الشعب الأوكراني في الدفاع عن بلاده”، و”ستوفر الإغاثة الإنسانية لـ” تخفيف معاناتهم “.
لقد أظهرت واشنطن مرة أخرى أنانيتها ونفاقها للعالم، لقد رأى الناس أنه بعد أن دفعت الولايات المتحدة أوكرانيا إلى النار، وقفت جانباً، متظاهرة بالاهتمام بالبلد قائلة “أنا أدعمك ، واصل القتال!”.
من الإنصاف القول إن تطور الوضع في أوكرانيا حتى اليوم مأساة جيوسياسية، فمنذ البداية كانت نتيجة مريرة للأنانية الاستراتيجية للولايات المتحدة وقصر نظرها. في وقت مبكر من عام 1998 عندما وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على خطة توسع الناتو شرقاً، توقع الدبلوماسي الأمريكي المعروف حينها جورج كينان مأساة اليوم، حيث قال: “هذا التوسع سيجعل الآباء المؤسسين لهذا البلد يتقلبون في قبورهم”.
ومع ذلك، فإن النخب الأمريكية المتعجرفة تعتقد دائماً أنها تستطيع الاستفادة من الأزمات، فالولايات المتحدة تعمل على التحريض على الصراعات والتلاعب بأوضاع الكثير من البلدان في العالم لخدمة مصالحها دون أن تدفع الثمن. وهي أيضاً لا تُظهر أي اعتبار لمعاناة السكان المحليين الذين تم دفعهم إلى الواجهة. عندما تكون هناك أزمة حقيقية، فإن ما يسمى بالالتزامات التي تعهدت بها في البداية لن تصبح سوى خطاب دبلوماسي فارغ، فهؤلاء السياسيون لا يهتمون بمعاناة المدنيين على الإطلاق، لكنهم يحاولون جذب الانتباه تحت ستار “الإنسانية”.
وهذا يذكر الناس عندما تخلت عن النظام الأفغاني السابق العام الماضي، فقد قالت واشنطن في عدة مناسبات إنها ستقدم مساعدات “إنسانية” لأفغانستان. لكن الأمر المثير للصدمة هو أن ما يسمى بالمساعدة “الإنسانية” الأمريكية لم يتم تقديمها إلى الشعب الأفغاني، بل على العكس قامت واشنطن بتجميع 7 مليارات دولار من الأموال المجمدة التي أودعها البنك المركزي الأفغاني في نيويورك. وبصفتها المتسبب في الأزمة الأفغانية، وبعد تلبية مصالحها الاستراتيجية، تركت الولايات المتحدة السكان المحليين غارقين في “فيضان من الجوع والفقر”، مما أدى إلى سوء تغذية حاد لملايين الأطفال في أفغانستان.
غالباً ما تتحدث واشنطن عن الإنسانية والعدالة والأخلاق، لكن ما تفعله حقاً هو حساب المصالح فقط، لقد تم الكشف عن أنانية واشنطن الاستراتيجية ونفاقها مراراً وتكراراً في الممارسات السياسية الدولية.
وتشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن 37 مليون شخص قد نزحوا من أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال والفلبين وليبيا وسورية كنتيجة مباشرة للحروب التي خاضتها الولايات المتحدة منذ 11 أيلول2001 وهذا يثبت صحة المقولة التي مفادها أنه حيثما “تتدخل” الولايات المتحدة ستظهر صراعات وفوضى وإرهاب.
يُطلق على الدولة اسم قوة عظمى ليس بسبب مدى قوة قدرتها على تكوين مجموعات أو تحقيق مصالحها الذاتية، ولكن ما يهم هو مسؤوليتها وقدرتها على حماية السلام الدولي.
أما بالنسبة للبلدان التي لا تزال لديها الأوهام أو تعمل بمثابة بيادق للولايات المتحدة، فإن أزمة أوكرانيا هي تذكير جيد: بأن “الشريك” الذي يعلن “الأخبار السارة” ويتخلى عنك في الظروف الصعبة هو شريك غير جدير بالثقة على الإطلاق.
المصدر: “Global Times”
التالي