الملحق الثقافي – فؤاد مسعد:
كثيراً ما يخشون الدخول إلى تلك العوالم وملامسة مكنوناتها، فهي تحمل خصوصيتها وتتميز بغناها وتفردها، ومن يسير في معارجها كمن يسير في حقل ألغام لذلك غالباً ما يفضل القائمون على العملية الإنتاجية تجنبها وعدم خوض المغامرة إن كان عبر الأعمال الدرامية التلفزيونية أو السينمائية، إلا أن تجارب قليلة حاولت الولوج إلى عمقها بشفافية عالية ودفء في سعي للإلقاء الضوء على شريحة موجودة في المجتمع، لها حضورها في المشهد العام وضمن العديد من مجالات الحياة مثبتة مكانتها وقدرتها على العطاء والتفاعل وتحقيق الإنجازات المهمة، إنها شريحة أصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة). وضمن هذا الإطار كان لا بد من التعريف بأعمال تلفزيونية وسينمائية تناولت حياتهم وقدرتهم على تحدي المصاعب وآلية تعاطيهم مع المحيط الذي يعيشون فيه وكيف ينظر إليهم الناس، وعلاقاتهم بالآخر سواء كان قريباً أم بعيداً، خيّراً أم شريراً، متعاوناً أم متنمراً أحياناً، لأن مجموع ذلك كله عندما يتم تناوله بجدية ومسؤولية من شأنه المساهمة في دمجهم في المجتمع وتحفيزهم للمشاركة في المجالات المتنوعة وتقريبهم من الشرائح المختلفة فيخرجون من الدائرة المغلقة إلى الدائرة الأوسع ضمن المجتمع، فعالمهم مملوء بالحياة والروح وربما يحتاجون لمن يراهم بالشكل الصحيح ليس أكثر.
لتحقيق هذه الغاية ضمن العمل الفني ينبغي توفّر الشروط الموضوعية من نص يتلاءم مع الحالة يكون الأقرب إلى طرح مشكلات أصحاب الهمم ومعاناتهم، ورؤية إخراجية تمتلك القدرة على التعاطي الحساس مع صورة ترصد أدق التفاصيل، وممثلين لديهم شغف البحث والاكتشاف ليقنعوا فيما يقدمون، وإلى منتج واعٍ ومثقف لتحقيق هدف يحمل من السمو والنبل الكثير. وقد تم إنتاج عدد من الأعمال سعت إلى تلبية المطلوب ولكن لجأت في غالبيتها إلى ممثلين محترفين ليجسدوا تلك الأدوار لما تمتاز به من صعوبة في إتقان الإعاقة وتبني آلية الأداء المُقنعة، وبقيت الشخصيات التي يقدمونها تدور في فلك التشوه الخلقي والتخلف العقلي والتوحّد والإصابة بالشلل أو العرج أو الخرس أو الطرش أو العمى، إلا أن تناول شخصية المصاب بمتلازمة داون غالباً ما كان يحتاج إلى مُصاب بها فعلاً ليجسد الدور ويقنع به خاصة من ناحية الشكل. وضمن هذا الإطار نلقي الضوء على أعمال تناولت شريحة أصحاب الهمم على الشاشتين الكبيرة والصغيرة.
الدراما التلفزيونية :
بما أن للدراما دوراً توعوياً وتثقيفياً ومعرفياً مؤثراً في المجتمع كان لا بد لها من الولوج إلى هذه العوالم، فخلال مسيرة الدراما التلفزيونية السورية تم إنجاز أعمال قدمت شخصيات تعاني من إعاقة، ولكن نادراً ما كانت هذه الشخصيات رئيسية ومحوراً محركاً للأحداث وغالباً ما أتت ثانوية ضمن خط فرعي من المجريات الدرامية.
من أبرز تلك الأعمال مسلسل (وراء الشمس) إخراج سمير حسين حيث أدى فيه الفنان بسام كوسا دور (بدر) المصاب بحالة من حالات طيف التوحد مجسداً الدور بكل ما فيه من خصوصية، وقد شكّلت الشخصية تحدياً حقيقياً له لما امتلكته من فرادة تدفع بمن يؤديها إلى البحث العميق عن أدق التفاصيل لتقديم الدور بالمصداقية المطلوبة، وهو الأمر الذي ظهر جلياً من خلال أداء فرض نفسه حتى على الشخصيات الأخرى التي تعاطت مع شخصية بدر، وضم العمل محاور أخرى تصب في سياق مشابه منها حكاية الزوجة التي تحمل جنيناً سيولد معّوقاً فتصر على إنجابه، ومحوراً دار حول شخصية حقيقية لمصاب بمتلازمة داون (أداها علاء الدين الزيبق)، وهو نفسه الذي سبق وشارك في الجزء الثاني من مسلسل (الفصول الأربعة) إخراج حاتم علي. ومن المسلسلات الأخرى التي ظهرت فيها شخصية حقيقية مصابة بمتلازمة داون مسلسل (مقابلة مع السيد آدم) في جزئه الأول إخراج فادي سليم وقدم خلاله شخصية ابنة الدكتور آدم عبد الحق (أدتها حياة مارديني).
ولدى العودة إلى الوراء قليلاً نستذكر شخصية منيرة التي أصيبت بحالة خرس وأدتها الفنانة منى واصف في (أسعد الوراق) إخراج علاء الدين كوكش 1975، والشخصية التي أدتها الفنانة ضحى الدبس في تمثيلية (أيام الصمت) إخراج نبيل ع.شمس 1993 ، والفتاة الصماء البكماء زهرة في الأجزاء الأولى من (باب الحارة) إخراج بسام الملا والتي لعبتها الفنانة ديمة الجندي، وشخصية الرجل صاحب النفوذ والمال الذي يتنقل عبر كرسي متحرك (الفنان خالد تاجا) في مسلسل (عشتار) إخراج ناجي طعمي، وشخصية علاء في (أشواك ناعمة) إخراج رشا شربتجي الذي يعاني من إعاقة في رجله انعكست على حياته وأداها الفنان قصي خولي الذي جسد أيضاً دور سامر في (غزلان في غابة الذئاب) إخراج رشا شربتجي حيث يُصاب بالتشوّه عبر مراحل لاحقة من العمل، وهناك مسلسل (ظل امرأة) إخراج نذير عواد الذي يصبح فيه وائل كفيفاً (أدى الدور عبد المنعم عمايري) ما يجعله يشعر أنه أصيب في عمق كبريائه، وأدت الفنانة شكران مرتجى دور امرأة تتعرض للتشوه في (بانتظار الياسمين) للمخرج سمير حسين، وجسد الفنان مجدي مشموشي في (هوا أصفر) إخراج أحمد إبراهيم أحمد شخصية منصور الذي يتعرض لمحاولة اغتيال فينجو منها ولكنه يصبح مقعداً ومشوهاً، ويضاف إلى ذلك العديد من الأعمال الأخرى.
الفن السابع :
نادرة جداً الأفلام السينمائية السورية التي تناولت حياة أصحاب الهمم، ولكن من أبرزها فيلم (عرائس السكر) إخراج سهير سرميني وسيناريو ديانا فارس وأدت دور البطولة فيه طفلة مصابة بمتلازمة داون (مروة الجابي) وتناول الظروف التي تمر بها الطفلة وكيفية تعاطي المجتمع معها ولاسيما بعد غياب أمها. ومن الأفلام الأخرى التي تناولت موضوع الإعاقة بشكل أو بآخر فيلم (أمينة) إخراج أيمن زيدان حيث قُدّمت فيه شخصية سهيل المصاب بالشلل التام بسبب قذيفة خلال الحرب (أدى الدور جود سعيد) وتحاول أخته تعلّيمه الأحرف بحركات العين لأنه لم يبقَ لديه للتعبير إلا حاسة النظر. وفي فيلم (درب السما) إخراج جود سعيد هناك شخصية رام (أدى الدور جابر جوخدار) وهو لاعب كرة قدم يُصاب بقذيفة هاون أدت إلى فقدان ساقه ولكن بعزيمته القوية يتابع مسيرة حياته بطريق جديد باتجاه هدفه. والأفلام الثلاثة من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
كما قدمت السينما العالمية العديد من النماذج كما هو حال فيلم (أحدب نوتردام) المأخوذ عن رواية لفيكتور هيجو، وفيلم (فورست جامب) إخراج روبرت زيميكس الذي يحكي عن طفل ولد بإعاقة في قدمه وتأخر في التفكير وتحوّل فيما بعد ليكون متفوقاً في الجري، كما أنجزت أفلام كان أبطالها مصابين بإعاقات ومنها الفيلم الفرنسي (اليوم الثامن) للمخرج (جياكوفان دورمايل) حيث عانى بطله من متلازمة داون، وفيلم المخرج الإيراني مجيد مجيدي (لون الجنة) الذي استطاع بطله الطفل الأعمى حقيقة ذو الثمانية أعوام أن يبهر العالم.
التاريخ: الثلاثاء1-3-2022
رقم العدد :1085