الملحق الثقافي – غسان شمة:
ترسم الكاتبة « ليتسيا كولمباني « مسيرة حياة ومصائر متينة لثلاث نساء من جنسيات مختلفة، تسعى كلّ منهن لتغيير واقعها بكثير من التصميم والعزيمة.. والخطوط التي تمضي الكاتبة برسمها تجعلها متورطة، بعقلانية ورغبة، في حمل الرسالة النسوية مقابل ذكورة فاقعة، لكن ذلك التورط لا يمنعها من الإمساك بخيوط عملها حيث تضفر تلك الجديلة بكثير من الحبّ والصنعة في سيرورة متصاعدة وساخنة ..
الهندية سميتا.. من قرية بادلابور تنتمي إلى جماعة الداليت المنبوذة، وهي جماعة خارج تصنيف الطبقات الاجتماعية، ويفرض عليها القيام بأحط الأعمال داخل المجتمع، ويتضاعف هذا الظلم على سميتا بحكم كونها امرأة ، والمرأة ضمن هذا التكوين الطبقي يمكن أن تغتصب أو تقتل لأتفه الأسباب.
سميتا الأمية تسعى لتجنيب ابنتها هذا المصير فتهرب من القرية وتمضي برحلة شديدة الصعوبة معرضة نفسها وابنتها لاحتمالات عديدة من المشكلات لكن عزيمته الصلبة توصلها للمكان الذاهبة إليه لتنفتح أمامها آمال جديدة..
أما الإيطالية جوليا، من مدينة باليرمو في صقلية، فتتمتع بالجمال والدلال، وهي ابنة لأسرة صناعية صغيرة يتعرض والدها للإفلاس ويموت على إثر ذلك، فتجد نفسها أما مهمة صعبة بسبب الديون وصعوبة العمل ورفض أمها توليها هذه المهمة الشاقة التي تحتاج رجلاً أو رجالاً، لكن جوليا بما تملك من قوة إرادة وعزيمة تتمكن بمساعدة حبيبها من التعاقد مع تجار يوردون الشعر المقصوص، الذي يتم التبرع به للآلهة، لإعادة تصنيعه وبيعه …
الكندية سارة، امرأة تتمتع بكثير من الطموح والنجاح رغم أنها ام لثلاثة أطفال، وتسعى دائماً لتطوير مقدراتها بغية المشاركة في إدارة المكتب الذي تعمل به في ظلّ منافسة شديدة من الذكور حيث ثمة اتفاق غير معلن على منع وصول النساء لأي منصب مؤثر في المكتب ..
تصاب سارة بالسرطان لكنها تخفي هذا المرض اللعين عن الجميع وتتعالج في السرّ في الوقت الذي تواصل فيه العمل بجهد كبير على نجاح المعادلة الصعبة في السير قدماً بعملها والمضي بمركب الأسرة التي تخلى الأب عنها، لكن تلميذتها في المكتب تكشف مرضها سعياً لأخذ مكانها فتكون الخيبة مضاعفة بهذه الخيانة..
الكاتبة تقدم شخصياتها وفق ثلاثية تبادلية حيث تتوالى الفصول لكلّ منهن كاشفة عن كامل المشهدية بشكّل تصاعدي حيث تضفر الأحداث والمصائر بطريقة حميمة وحارة مع تبرع سميتا الهندية بشعرها وشعر ابنتها، الذي يصل، هو وغيره، إلى مصنع جوليا التي تنجح في إعادة الحياة لدورة العمل وتقدم نماذج جديدة من الشعر المستعار.. وربما هذه الشعر هو ما وصل ليد الكندية سارة التي ارتدته وخرجت به إلى الحياة بعزيمة جديدة وأكثر تصميماً على انتزاع ما حقّ لها..
ثلاث شخصيات نسائية تمثل حالات أو وجوه لما تتعرض له المرأة من تمييز كبير وظلم شديد على الرغم من اختلاف المجتمعات والثقافات والحالة الحضارية التي يدعي البعض تميز مجتمعه بها عن غيره، لكن الوقائع التي تكشفها كاتبة تنتمي للمجتمع الأوروبي، تؤكد أن المرأة ما زالت تعاني في كل مكان، لكن شكل وطبيعة هذه المعاناة يختلف..
يتميز السرد بحميمية التجربة التي تعبّر عن كلّ من الشخصيات الثلاث بلغة أقرب للبساطة التي تجذب القرّاء على اختلاف مشاربهم في مشهدية واقعية تعتمد على التصوير الفني لحياة ومصائر نساء يسعين لواقع يؤكد حضورهن الإنساني وحقهن الكامل في الحياة..
الكتاب صادر عن وزارة الثقافة .. الهيئة العامة السورية للكتاب بترجمة الزميلة سهيلة علي اسماعيل.
التاريخ: الثلاثاء1-3-2022
رقم العدد :1085