الثورة – رنا بدري سلوم:
هو استفهام جماليّ نقف عنده لنتأمله ونُعرّبه في عالم الثقافة وبحارها المتلاطمة، لماذا سميّ الكتاب “ومضات” ثقافية وهو أعمق من وميض وأبعد من أفق، أفق الكلمة وبنيتها اللغوية، وجادتها الفكرية والجمالية، فقد أرادتنا الكاتبة”منال محمد يوسف” أن نبحر معها في بحر متلاطم الجمال الإنساني، ذلك الجمال الفكري، الذي يتوجب أن يرفد الذوات الإنسانية بشيء من الرقيّ، وأشياء تحرر العقل من قيود (القولبة) بقيود قديمة، وتجعله يتحرر من وجع الاستكانة لفعل ما.
ومن أجل أن يجتبى الوميض الثقافي، وينفعل بنا، وننفعل به، ويشكل تلك الشعلة المعرفية، حيث نكون جزءاً لا يتجزأ من ذلك المبتغى المعرفي ألم الوميض الثقافي السامي، هربنا مع الكاتبة في أوقاتنا إلى حيث الانتماء المتجذّر والراسخ ضمن العائلة و”كان وفعلها الماضي” وأخواتها التائهين، في أي دنيا؟ ربما لا نعلم كأن الوقت الذي يتحدث وجل حديثه يبكي ليتم المعنى يبكي ليتم ذواتنا ربما، فشبهت الكلام بالسجائر التي تحرق أوقاتنا، ونحن لا نمل فلسفة التباهي بلذة الاحتراق، وجمله المنفيات، ربما خارج أسوار الزمن.
ضم الكتاب مجموعة من المقالات الأدبية والتي نثرتها الكاتبة منال محمد يوسف بحبر ثقافتها ومداد روحها، فكان أدبها ذاكرة جمالية والمد الحقيقي بين لغة الحلم والواقع، ليمسي هذا البوح الذي يختصر أعظم الأعمال الأدبية، يضيء مدارات الثقافة لدينا، ويبقى الينبوع الأوحد، وبالتالي نرى أدبها كالبحر وافر العطايا الثقافية يحمل في أحجيته المنطقية شيئاً من عظمة المعاني ورقي الألفاظ.
“ومضات ثقافية” طباعة دار السويد للنشر والطباعة والتوزيع عام 2022، وهو الكتاب الحادي عشر للكاتبة، فما يميز “ومضاتٍ ثقافية” برأيي هو استقراء الأدب بأشكاله وأسطورته بين التخيل والإعجاز البطولي حين تقف الأدبيات عند حدود الدهشة بين ما يجري الآن، وما جرى خلال الأزمة، وبين فنون الكتابة والكتابة الواقعية على وجه التحديد، فبالنسبة للكاتبة كل الكتابات تفرغ من مضمونها، إذا لم تنقل الأساطير الحاصلة الآن، فمن “وجدانيات عاقلة، ونبالة الفكر الوهاج، وعَبقر الفكر النيّر، وللشعر حكاية أخرى، ومبتدأ الثقافة وخبرها، وبوح القوافي” وغيرها الكثير من العناوين اللافتة التي استنبطتها الكاتبة من علاقتها مع الشعر والقصة والرواية كانت وكما اعتدنا في الشاعرة منال محمد يوسف أن تكون “الهائمة” ببياض الياسمين في جماليات الفلسفة ووميض اللغة ووهج الثقافة الذي يضيء مدارات الفكر الإنساني، وترفد منابع الفكر العقلاني، وتجعل عظمة نبوغها لا ينضب، وهو ما أسمته الكاتبة “نور الإبداع” يبقى ما بقي أصحاب العقول النيّرة فالإبداع لا يرتبط بمرحلة ما ولا ينحصر بمجال معين من الفنون الإنسانية، فالأمم العظمى وكما رأت الكاتبة تنهض بمقدار الإبداع الموجود لديها تنهض بإرادة تنمية هذه الطاقات وتخصها بشيء يسمى فن إدارة الإبداع وطرائقه الحديثة أي منهجية استثمار الإبداع الخلاق، وهذا الشيء يرفد منابع الإبداع العظيم الذي قرأناه في “ومضات ثقافية”.