ثورة أون لاين – رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
يستنفر التطرف أوراقه ويسجّل حضوره وسط متاهة من المفردات التي تُبعد المسافة الفاصلة بين وجوده ومعطيات التعاطي معه، في وقت تتماهى فيه حالة التصعيد السياسي والعدواني على كل الصعد، في حالة ارتباط وثيق تعبّر عن نفسها عبر الدخول الإسرائيلي المباشر على خط العدوان.
وإذا كان هذا العدوان يجسّد سقفاً قابلاً للارتفاع كلما ازدادت وتيرة الإخفاق الإرهابي، فإن الواقع العملي ينحو باتجاه توقع موسم عاصف من التصعيد المقترن بمجموعة مؤشرات سياسية تعبّر عن نفسها من خلال التسريبات الأميركية المتتالية التي تصب في الاتجاه ذاته، وتقرأ فيها إسرائيل الضوء الأخضر لتسخين الجبهات المختلفة، من الدعائي والإعلامي وصولاً إلى العربدة الأخيرة في العدوان على لبنان.
ورغم أن الحديث يعلو والأصوات ترتفع لمواجهة التطرف الذي يتفشى بصورة باتت تهدد المنطقة، فإن القناعة الموازية لها تتسع دائرتها نحو الجزم بأن الإرادة الفعلية لخوض هذه المواجهة تتسم بالتثاؤب المثير للجدل، فيما المخاطر تترجَم على الأرض في سياق ممارسات عدوانية ودعم للإرهاب يستعر على كل الجبهات، ويفتح الباب على مصراعيه أمام حملة مسعورة من الافتراضات التي تحمل ما يكفي من تهويل ومبالغة.
لذلك فالمواجهة لا تقتصر على جبهة واحدة، ولا هي وليدة ظرف سياسي أو أزمة هنا أو هناك، بقدر ما تحاكي نهجاً مدروساً، وتنفذ خططاً معدة سلفاً مع بدائل لها تُطرح وقت الحاجة، وجاءت التطورات الأخيرة لتؤكد أن الدخول الإسرائيلي ليس من أجل خلط الأوراق كما يراهن البعض، بل في محاولة يائسة لإعادة ترتيبها وفق الأولوية الإسرائيلية والأميركية، بعد أن خرجت عن نسق الحسابات الأميركية والمعادلات الإسرائيلية.
فهزيمة الإرهاب ومواجهة التطرف وتسارع الأصوات المنادية باتخاذ مواقف جادة يؤدي إلى زيادة مساحة المتاعب أمام الأميركي، ويجعل مهمة مرتزقته في الميدان شبه مستحيلة، وفي بعضها مستحيلة تماماً بعد الهزائم والانكسارات الأخيرة، فكان اللجوء الأميركي إلى استحضار الدور الإسرائيلي العلني والمباشر بتنفيذ مهماته الموكولة إليه، بعد أن لجمه طوال الأشهر الماضية.
والذاكرة في التجربة الأميركية تشير بوضوح إلى أن استخدام إسرائيل يكون في العادة الخيار الأخير بعد أن تُفلس كل البدائل الأخرى، وهو ما فعلته في عدوان تموز وما تسعى إلى تجسيده في رسائل العدوان الأخير على لبنان.
ورغم فارق المقارنة فإن الحديث الإسرائيلي والتحضيرات اللوجستية على الأرض تمهد لتهور إسرائيلي قادم لن يتأخر بزج كل أدوات العدوان وأطرافه، بما فيها تلك الدول الوظيفية التي تنتظر الإشارة الأميركية، للمباشرة في تنفيذ السيناريو الأخير الذي يقتضي في أحد فصوله جولة جديدة من العدوان تكون الأداة الرئيسية فيه إسرائيل وملحقاتها من تلك الدول التابعة بسيرتها التاريخية والتقليدية للأميركي.
لذلك ثمة عوامل مشتركة بين آليات مواجهة التطرف، وبين وسائل صد العدوان بفصوله وأشكاله المختلفة، وهذه العوامل تحتاج إلى من يشد أزرها ويمسك بخيوط ترابطها، وإلى إرادة دولية فاعلة تلجم العدوان وتوفر الأرضية الفعلية لمواجهة التطرف، وهي في معيار الظرف الراهن لا تبدو متوافرة على الجبهة الدولية لأسباب تتداخل فيها العوامل والمعطيات، لكنها على الأرض كافية للحكم المسبق بالفشل القادم الذي ينتظر العدوان كما انتظر التطرف والإرهاب.
ويبقى التعويل قائماً على إرادة كسرت الإرهاب وواجهت طاغوت التآمر والعدوان بأشكاله المتعددة، وهي الإرادة المؤهلة لاقتلاع الإرهاب ودفن التطرف، كما هي مستعدة ومصممة على صد العدوان من أي جهة، ولن يغير الدخول الإسرائيلي في المعادلة شيئاً، لأنه لم يغب منذ البداية وإن لم يظهر، ولم يتأخر وإن لم يكن في المقدمة، ولم يتراجع ولو أنه انحسر أحياناً أو توارى عن الأنظار، وفي حديث المرتزقة وتسريبات الغرف المغلقة ما يكفي من قرائن على ذلك الحضور الإسرائيلي المباشر وأهدافه الخفية والمعلنة منها.
a.ka667@yahoo.com