الثورة – أديب مخزوم:
تسعى الدبلوماسية والفنانة التشكيلية السورية محمدية النعسان في معارضها الفردية التي أقامتها في( أرمينيا واليونان وإندونيسيا ومجدداً في سويسرا، إضافة لمعرضها في ثقافي أبو رمانة عام 2017 ) إلى إعلان اللوحة كمشروع ثقافي، يروي حقائق حياتها وتأملاتها الوجودية وسفرها، ويفسر حساسيتها اللونية المفرطة في شاعريتها وغنائيتها وتجريديتها.
وهي تساهم في إيجاد تنويعات العناصر التشكيلية الإيقاعية الموسيقية المفترضة في عالمها الفني، والتي تبدو في مجمل لوحاتها كأنها إشارات لنوتات موسيقية مسموعة بالعين، وتجربتها الحروفية تشكل إضافة لتجاربها المتنوعة في إيقاعاتها وتقنياتها ومواضيعها، وهي تفتح من جديد باب النقاش أو الحوار الثقافي المفيد، كونها في هذه اللوحات ( قياسات مختلفة ) تجسد المشاهد والعناصر والحركات الحروفية في رؤى حلمية تتفاوت بين الشفافية اللونية والكثافة، وهي من خلال تعاملها مع اللون الزيتي بعفوية وتلقائية تطرح بعض القيم التعبيرية والتجريدية الوثيقة الصلة بتأملات ثقافة فنون العصر، من خلال تمسكها بتحولات المناخ المتطرف في التجريد الحديث، لدرجة أنها تجاهر بلوحة تجريدية مكونة من عدة مربعات ومستطيلات مبسطة إلى أبعد حد، ومتداخلة أفقياً وعمودياً وبألوان محددة ومتقاربة.
ولقد كشفت لوحاتها، عن مقدرة في إبراز إشعاعات اللون المحلي القادم من تأملات امتداد الطبيعة، التي سرعان ماتغيب في الضباب اللوني، وبمعنى آخر يغيب المشهد عن لوحاتها في التجريد اللوني، وتبقى إشاراته الدالة عليه.
ولقد كانت ألوان الأرض والسماء في لوحاتها قابلة باستمرار لطواعية التغيير، كونها تعتمد تقنية ضبابية وغنائية وشاعرية في صياغة إيقاعات موسيقا اللون التجريدي، الذي يختصر بدوره تقاسيم المفردات الواقعية نحو تشكيل إيحائي يعكس وهج الشمس المحلي الذي تستعيده في إقامتها وسفرها وتنقلاتها .
ولأن الفن التشكيلي لغة عالمية لاتحتاج لترجمة، تصل لوحاتها إلى الأجانب، كما تصل لأبناء بلدها، من الذين يمتلكون ثقافة فنية حديثة، وحساسية بصرية وروحية عالية.
ولهذا كان إصرار محمدية النعسان في أعمالها الجديدة البحث عن معنى جديد للمساحة، ضمن إطار الحلم الرومانسي والإشراقة التجريدية / لما بعد كاندينسكي وموندريان وهارتونغ. كل ذلك في خطوات البحث عن حقائق جمالية جديدة، لأن الوصول إلى اللوحة المغايرة، يعني دوماً إيجاد أو ابتكار أبجديتها ولغتها ومناخاتها الخاصة المفتوحة على المفاجآت الدائمة.
وكان من الممكن أن نتكهن مع بروز بحوثها الفنية المتواصلة، التي أعقبت إقامتها في عدة بلدان، أنها لابد أن تتأثر كثيراً من مشاهداتها وتأملاتها التي تترك تأثيرات جوهرية على لوحاتها الأحدث، بل كانت إرادتها واضحة في عشقها الأبدي للفن والثقافة، ولقد لازمها الشعور بضرورات التغيير في التقاط حقائق جديدة، تدمج بين الثقافات التي تتعرف عليها عن قرب، في تنقلاتها خلال عملها الدبلوماسي وإقامة معارضها.
هكذا بات التجريد الغنائي المتداخل مع الأشكال التعبيرية والحروفية، على راحة ألوانها، كواحة من فضاءات شعرية، وأضحى الغناء اللوني المتتابع في إطار لوحاتها أشبه بنوتات موسيقية بصرية لمسيرتها الدبلوماسية والفنية، وما عصف بها من تغييرات وتبدلات وتحولات وكشوفات وانفعالات.
ولقد شهدت تجربتها زخماً في السنوات الأخيرة، وحالياً تحضر لمعرضها الجديد، ومن أهم صفاتها أن لوحاتها تمحو الخطوط المتزمتة بين التجريد والواقع، وبذلك حققت في تطلعاتها التواصل الحي، والتناغم المطلق، مع الطروحات الحديثة لتعبيرية الأشكال وحركة الخط (الذي يأخذ شكل التوقيع في بعض لوحاتها) وصولاً إلى التجريد الذي لا تغيب عنه إشارات وإيحاءات الواقع.
هكذا تساهم في تحويل اللوحة إلى حالة ثقافية وجمالية وتعبيرية وتجريدية مقروءة في كل البلدان. وتترك عملها عرضة لرياح التغيير، ولاتحصر نفسها ضمن أسلوب محدد، وهذا لاشك يعمل على إغناء قدرتها التعبيرية، ويضفي إيقاعية بصرية أكثر حركة وحيوية.
ويمكن القول إن احتكاكها وسفرها ونشاطها اليومي، وسوى ذلك سمح لها، بتقديم إيقاعات لونية مشغولة بتنوع تقني تحركه دائماً انفعالات متنوعة، ترتد في كل مرة نحو الداخل والعمق.
رغم أن أعمالها مشغولة بروح واحدة، وهذا ما أسميه بوحدة الاختلاف أو وحدة التنوع.
محمدية النعسان – التعليم الأكاديمي: 2012 – 2015، ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بينا نوسانتارا/ كلية بينوس للأعمال BINUS، جاكرتا/ إندونيسيا. 2003-2004 دبلوم: تخصّص في الدبلوماسية متعددة الأطراف من معهد الدراسات العليا الدولية بجنيف IUHEI.
1995-1999: بكالوريوس في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم اللغة الفرنسية وآدابها