عيد الأم بالنسبة لنا يحمل الكثير من معاني الوفاء للمرأة، رمز العطاء والتضحية، رمز الخصب وتجديد الحياة، الحب الصادق الذي لا ينضب، ولم تنل منه عوامل التشويه والتخريب، التي طالتنا في زمن الحقد والكره والحرب، بل تجلى بأعمق المعاني، حيث الأم رمز الوطن، الحضن الذي يجمع ويقرّب، ويؤمّن أسباب الوجود والاستمرار للعائلة.
الأم أكبر مدرسة لتعليم القيم والأخلاق، لأنها مهما اختلفت مع أبنائها، ومهما تمرّدوا عليها أو عاندوها، تستوعبهم وتسامحهم، لن تتخلى عن أيّ منهم، هي من لا تفرّق بين أبنائها حبّاً، وعطاء، وتبقى أمنيتها أن يكون أبناؤها الأفضل، فهي التي زرعت فيهم أجمل ما تراه من قيم.
فعيد الأم بالنسبة لنا هو من الأعياد التي أصبحت عادة نمارس طقوسها مرة واحدة من كل عام، فهو فرصة لتستعيد العائلة فيه دفئها الأول وحميميتها الأسرية، فالأم التي جمعت أولادها صغاراً تعيد ذلك مراراً، وخاصة في هذا اليوم الذي يحرص فيه كل أفراد الأسرة على عدم تفويت هذه المناسبة من دون أن يجتمعوا بأمهاتهم ويعبروا عن محبتهم بطرائق شتى تتناسب مع خصوصية كل عائلة، حيث تجتمع العائلة الكبيرة التي تضم الأبناء وزوجاتهم، والبنات وأزواجهن، والأحفاد في جوّ تسوده المحبة والألفة والودّ على مائدة واحدة، هم حضروا أصنافها بأنفسهم، مصطحبين معهم الهدايا المختلفة من ورود وملابس وجواهر وحلويات للاحتفال بهذا اليوم مع والدتهم.
وعيد الأم الذي يصادف الحادي والعشرين من شهر أذار من كل عام هو تعزيز لأواصر المحبة والروابط الاجتماعية، وذلك من خلال الاحتفال بتلك الأيقونة التي اسمها الأم التي تلم حولها كل أفراد أسرتها، كون هذه اللمة هي عادة مجتمعية مرتبطة جذورها بالقديم والأخلاق التي تربينا عليها، وليس مستغرباً أن يتم اختيار عيد الأم عند قدوم الربيع في 21 آذار وقت الانقلاب الربيعي، لأنه يعدّ بداية موسم إنتاج الأرض، وتخليداً لدور الأم في المجتمعات، وقد قيل فيها الكثير من الأمثال الشعبية التي عبرت عن دورها في المجتمع مثل: (الأم بتلم) للدلالة على دور الأم في جمع عائلتها، و(بعد الأم احفر وطم) للدلالة على أنه بعد فقدان الأم تتفكك العائلة، وغيرهما من الأمثال التي أصبحت متداولة في مجتمعنا.
طبعاً هناك أيّام لا تنسى والأم جميع هذه الأيام، وقيل عن الأم أنها مدرسة ولكنها في الواقع هي الحياة، نحتفل بعيدها اليوم ولكن كل يوم هو عيد الأمهات، لا نذكر كيف أرضعتنا أو حملتنا أو احتملتنا ونحن أجنة صغار، ولكننا نذكر كيف تحملتنا كل يوم بعد أن مضت فينا الأيام، مهما كبرنا وكبرت فنحن مازلنا أجنة في أعينها لا تتحمل لنا آهات أو آلاماً، (فهل نتذكر ذاك اليوم؟)، لكل منا حكاية يذكرها عن يوم كانت الأم فيه هي المعلم والمنجد والمنقذ، الذي وقف وقفة الأبطال، معاني الحياة كلها تتجلى فيها وهي تغذي معاني الحياة، هي من جعلت من الحياة حياة وهي من جعلت في كل أيامنا راحة بعد أن قست علينا الأيام، إن إكرامها في يوم لا يكفي ولكن يحق لها في كل يوم الإكرام . . لأنها الأم . . بتلم.
حديث الناس – إسماعيل جرادات