الثورة – هلال عون:
كان جميع الخبراء والمراقبين والمتابعين يتحدثون خلال شهر مضى عن أن روسيا وبعض الدول الصديقة لها سيتحولون في معاملاتهم التجارية إلى التعامل بعملاتهم الوطنية بدلاً من الدولار، وخاصة في عقود النفط والغاز.
وكانت الآراء تخوض في نسبة تلك المبادلات في التجارة العالمية قياساً بالدولار واليورو، و مدى تأثير هذه الخطوة على الدولار كعملة حاكمة ومسيطرة على التبادل التجاري العالمي.
وبالفعل وقّع الروس اتفاقيات مع الصين والهند وإيران بهذا الخصوص، على أمل أن تتوسع الدائرة وتنضم إليها دول أخرى حليفة أو صديقة لروسيا ومتضررة من السياسة الأمريكية ليتم تشكيل تكتل دولي يتعامل تجارياً بغير الدولار.
لكن أحداً لم يكن يتحدث، أو لم يتوقع أن يتم فرض العملة الروسية (الروبل) في التعاملات التجارية على أعداء روسيا (أمريكا وأوروبا الغربية)، وهو القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم أمس، وفرض بموجبه بيع النفط والغاز الروسي للدول غير الصديقة لروسيا بالروبل، وأمر بتنفيذ قراره خلال أسبوع من تاريخ إصداره.
لا شك أن الغرب يضرب الآن أخماسه بأسداسه، ويفرك رأسه بحثاً عن مخرج من هذا المأزق الذي وضعهم فيه الرئيس بوتين، ويتساءلون: كيف.. ومن أين نأتي بالروبل؟!
لنناقش الآن مفعول ونتائج هذا القرار، والطرق التي يمكن أن يسلكها الغرب لتأمين الروبل بغية الحصول على الغاز، وبقية المشتقات النفطية الروسية..
الواقع يقول إن جميع خيارات الغرب قاسية وكارثية و مذلَّة، ولايبدو أمامهم سوى الخيارات التالية:
1 – استبدال الدولار واليورو بالروبل عن طريق البنوك والمصارف الروسية.
وهنا تجب الإشارة إلى أن قيمة مستوردات أوروبا من النفط والغاز الروسي قد تصل إلى مليار دولار يومياً في حال استمرار ارتفاع أسعار النفط والغاز.
ولكن لنفترض أن القيمة حالياً هي نصف مليار دولار يومياً، أي حوالي 45 مليار روبل في اليوم.
إن هذا الافتراض يطرح تساؤلاً عن الطريقة التي ستنقل بها أوروبا هذه المبالغ بين بنوكها والبنوك الروسية!. هل ستنقلها بالطائرات والسفن؟! بالتأكيد لا.
فما هي الطريقة.. خاصة أن الغرب أخرج روسيا من نظام تحويل العملات (سويفت)؟!.
يبدو أن الجواب يتجه نحو قيام أمريكا وأوروبا بالتراجع القسري عن قرارهم بإخراج روسيا من نظام تحويل العملات الدولي (سويفت) قريباً.
2 – أن تعمد أوروبا وأمريكا والدول غير الصديقة لروسيا – التي يشملها قرار بوتين – على بيع جزء من صادراتها بالروبل لتأمين كميات مبالغ كافية منه لدفعها ثمناً للنفط والغاز الروسي.
3 – تأسيس شركات ومصارف في أوروبا، وتشجيعها على التعامل بالروبل بغية توافره في أسواقها.
4 – تشجيع عودة الشركات الامريكية والغربية للعمل في روسيا، والاعتماد عليها في دفع فواتير المستوردات النفطية الروسية، وتحويل المقابل إلى حساباتها في بنوك أوروبا.
ويجب ملاحظة أمر واحد مشترك في كل الاحتمالات السابقة، وهو حتمية زيادة الطلب على الروبل، الأمر الذي سيرفع من قيمته، وسيعززه كعملة عالمية منافسة للدولار واليورو في الأسواق والمصارف العالمية، وسيفرِّغ العقوبات الغربية من كثير من مضامينها.
أيضاً سيكون ذلك بداية النهاية لسيطرة الدولار على أسواق العالم وعلى المبادلات التجارية العالمية، وبالتالي تقليم أظافر أمريكا، بل تجريدها من أهم سلاح مجاني قاتل تفرضه على من تشاء، وهو العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي سيجعل العقوبات الأمريكية والأوروبية ضارة بالجهة التي تفرضها فقط، خاصة عندما تتوسع دائرة الدول التي ستنفذ معاملاتها التجارية بغير الدولار واليورو.
أمر آخر يمكن أن يكون أحد نتائج قرار بوتين الأخير، وهذا الأمر هو مصير الأموال الروسية التي جمدها الغرب في مصارفه وبنوكه، والتي تبلغ حوالي 300 مليار دولار،
ماذا عنها.. وماذا سيتصرف الروس حين يأتيهم الغرب بمليارات الدولارات إلى داخل روسيا لتحويلها إلى روبل، لتوقيع عقود استيراد النفط والغاز؟..
لننتظر ونرى.