تحت هذا العنوان كتبت الأسبوع الماضي عن المسعى الغربي – الصهيوني لإفراغ الشرق من مسيحييه، مستشهداً بحديث السيد الرئيس بشار الأسد أمام المشاركين في المؤتمر الكنسي عن أن تهجير المسيحيين هدف أساسي من أهداف المخططات الخارجية للمنطقة لكنّه بشكلٍ أساسي هدف إسرائيلي. حيث ان العدو الصهيوني (الذي نشهد منذ عقود محاولات مستميتة لتحييده إعلامياً وثقافياً ونفسياً، وإحلال أعداء وهميين محله) هو الجهة الأساسية المستفيدة من كلّ مآسي الأمة، ومن ذلك شرذمتها وتمزقها واقتتال أبنائها.
أعلم أني لا أتي بجديد، فمنذ إقامة الكيان الغريب الغاصب على أرض فلسطين أدرك المفكرون والمثقفون والمناضلون في الأمة حجم الخطر الصهيوني على وحدتها ومستقبلها،وهو خطر لا يقتصر على احتلال الأرض و الحلم الصهيوني القديم بحدود لإسرائيل ممتدة من الفرات إلى النيل، بل يتعداه لما هو أخطر من ذلك،إلى تفتيت الأمة وإشغالها بخصوماتها الداخلية بحيث لا تتوحد يوماً بوجه العدو الحقيقي، ولا تقوى يوماً على مواجهته،وتبقى في الوقت ذاته أسيرة حالة التخلف في مستوياته الوطنية والسياسية والثقافية والاجتماعية،بحيث يحل التعصب للجماعة محل المواطنة،وتسود مفاهيم التنافر العنصري بدل مفاهيم الحوار والانفتاح،وتهيمن ثقافة العداء للشريك الوطني محل ثقافة العيش المشترك، وتطغى حالات التخلف الاجتماعي على كامل المجتمع.
وبسبب إدراك النخب العربية لذلك الخطر منذ البداية فقد دعت مبكراً لمواجهته بكلّ السبل المتاحة، وربطت في الوقت ذاته بين العمل الوطني والقومي لمواجهة العدو وبين العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتطوير المجتمعات العربية وتنميتها على كلّ صعيد. ورغم الحال المأساوي الذي يلف الأمة اليوم، وأشكال الإحباط الكثيرة التي واجهتها منذ بداية الصراع العربي – الصهيوني فإنها لم تتوقف عن ابتكار أشكال المقاومة رغم تباين الإمكانيات،وهو ما كرس إحساس الكيان الدخيل – ومن يدعمه – أن سلامة وجوده لم تعد تكفله قوته الذاتية، وإنما ضعف محيطه بالدرجة الأولى.وأن كيانه العنصري يحتاج لتبرير وجوده، في محيط متنوع ومتعايش، تغيير شكل هذا المحيط واستبداله بكيانات طائفية ومذهبية متنافرة.فإذا حصل هذا يصبح مقبولاً عالمياً الحديث عن دولة يهودية على كامل أرض فلسطين التاريخية، وكذلك تهجير (غير اليهود) خارجها وليقيموا دولتهم هناك كما تقترح الصحف الإسرائيلية منذ أكثر من عقد.
موقف الصهاينة وحلفائهم من مكونات المجتمع العربي ليس حديثاً وهمياً فقد ارتكبت الوكالة اليهودية عشرات الجرائم السرية ضد اليهود العرب لانتزاعهم من أوطانهم الأصلية، وغذت الدولة الصهيونية الاقتتال الطائفي في لبنان إلى أن جاء حليفها الأميركي ليقترح على مسيحييه سفناً تنقلهم بعيداً عن بلادهم. ولا بدّ لأي متعمق أن يكتشف دور إسرائيل في العديد من النزاعات في الوطن العربي من العراق إلى السودان فموريتانيا. وهو دور أساسه تحويل أحد مظاهر قوة الأمة المتمثل في تنوع طيفها الإنساني إلى مظهر ضعف ومصدر خطر دائم.
إضاءات -سعد القاسم