الملحق الثقافي – غسان شمة:
متخطياً التسميات القديمة صاغ الفيلسوف والمنظر الاجتماعي الألماني فيلهلم دلتاي عام 1887 مصطلح «العلوم الإنسانية» متجاوزاً بذلك ضيق المسميات القديمة مقارنة بمواضيعها المتعددة والمتشعبة…
والعلوم الإنسانية كانت تعرف قديماً بالعلوم المعنوية في إشارة إلى عقلانية الإنسان، أي قدرته على التفكير وصناعة الاتجاهات والمبادئ والسلوكيات والتصرف بناء على ما تنتجه العقلانية للوصول إلى ما يسعى إليه..
وهي تعود تاريخياً، للقرن الخامس وإلى المدرسة اليونانية القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد حيث كانت بمثابة «دورات تعليمية أطلقها مجموعة من السلاطين في ذلك الوقت والتي من خلالها يتم إعداد الشباب للمواطنة فيما كان يسمى دولة المدينة، وكان يطلق على الإنسانيات الطبيعة البشرية»…
ويمكن الإشارة إلى اتساع مفهوم هذا المصطلح وتعدد مهامه فهي تعرف «بأنها تعنى بوصف وتوثيق التجربة الإنسانية من جميع جوانبها في مختلف العصور، بما في ذلك العلاقات بين الأفراد وأساليب التعبير والتواصل.. وتدرس التاريخ الإنساني والعلاقات التي كانت قائمة بين الإنسان والبيئة من حوله وبين الإنسان المعاصر في بيئته الحديثة من وسائل تعبير وتواصل مختلفة «..
ويكمن جانب كبير من أهمية العلوم الإنسانية بأنها «تلقي الإنسان في عمق الإنسان بحيث يكون قادراً على فهم الطبيعة الإنسانية لفئة محددة من الناس من خلال محيطها وموروثها الديني والثقافي والاجتماعي، ومن خلال البحث في تاريخ الشعوب وإعطاء لمحة لبعض المعتقدات»..
وهناك مجموعة من العلوم التي تتشكل منها مجتمعة ما يطلق عليه العلوم الإنسانية «علوم اللغات والدين والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والموسيقا وعلم الأنثروبولوجيا والعلوم السياسية»..
أهمية العلوم الإنسانية
قد تتعدد صياغة العناصر التي يركز عليها الباحثون لتحديد أهمية العلوم الإنسانية لكنها تصب، في العموم، بإناء عام يرسم تلك الحدود ويمكن الوقوف عليها من خلال المرتكزات التالية:
تكوين رؤية تجاه العالم وذلك من خلال تكوين آراء نقدية وفكر مبدع والتعرف على الطريقة المثلى لاستخدام العقل.
محاولة فهم العالم بحيث ندرك ونفهم العالم ماضياً وحاضراً من أجل تخيل شكل ما للمستقبل.
إثراء الفكر من خلال توسيع مدارك الإنسان وإثرائه بالمعرفة الشاملة بحيث يكون أكثر قدرة على التفكير والتحليل وإعطاء الرأي..
توضيح المستقبل عبر توظيف الثقافة الواسعة التي توفرها العلوم الإنسانية حيث من الممكن رسم ملامح لمستقبل ما..
تفسير السلوك الإنساني من خلال مناقشة سلوكيات الإنسان وتفسير ما يصدر عنه من تلك السلوكيات.
إيجاد حلول لمشكلات الفرد التي تتشكل داخل الذات الإنسانية وبين الفرد والآخرين.
ويرى المفكر جون هورجان أن العلوم الإنسانية «تحافظ على الدولة من خلال كونها مصدراً للقوة المدنية والذاكرة الوطنية والتفاهم الثقافي والقيمة الفردية والمثل التي نتشاركها جميعاً»..
ومن الضروري قبل مغادرة هذه السطور، التي سعت لتقديم لمحة سريعة ومبسطة لمصطلح وأهمية العلوم الإنسانية، من الضروري التذكير بأن كلمة «العلم» تشير في الأصل إلى: مجموعة منظمة من المعارف، وبهذا التفسير فالفلسفة والعلوم الإنسانية تعتبر من فروع العلم حيث إنها مجموعة منظمة من المعارف والخبرات والنظريات..
العدد 1089 التاريخ: 29/3/2022