الثورة _ فؤاد مسعد:
عديدة هي الأعمال على الشاشتين الكبيرة والصغيرة التي تناولت موضوع جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية ، منها ما ذهب باتجاه الحكاية الدرامية التي تقص في أحد أركانها قصص النضال ضد المستعمر الفرنسي ومنها ما ذهب باتجاه التوثيق السمعي بصري لأحداث ومفاصل تاريخية عن الحراك النضالي فترة الانتداب والوصول إلى الجلاء ، وضمن هذا الإطار نفرد الحديث عبر السطور التالية عن عملين وثائقيين هامين تناولا تلك الفترة التاريخية بكثير من الدقة في سعي لتسليط الضوء على الحقائق أمام الجمهور ، وهما سلسلة (مذكرات وطن) إخراج أمين البني والفيلم السينمائي الوثائقي (الباشا) .
أنجز المخرج أمين البني المجموعتين الأولى والثانية من سلسلة (مذكرات وطن) وهو العمل الوثائقي الهام الذي قدمه التلفزيون العربي السوري وجُمعت له الوثائق الفيلمية لتاريخ المنطقة العربية وبشكل خاص سورية ، حيث قدم في الحلقتين الخامسة والسادسة من المجموعة الأولى (أخرجها عام 1987) وثائق عن مرحلة الانتداب الفرنسي والاستقلال ونضال الشعب وإصراره على وحدة الوطن رغم محاولات الاحتلال للتقسيم متناولاً ثورات صالح العلي وابراهيم هنانو والإضراب الشعبي الكبير عام 1936 وجلاء المستعمر . أما في الحلقة الأول من المجموعة الثانية (أخرجها عام 2010) فقد استعرض مراحل الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان ونضال الحركات الوطنية العربية في سورية وبلدان المشرق العربي ضد الاستعمار والانتداب والمعاهدات المجحفة التي فرضت عليها ، وتنتهي بانتهاء الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان واستقلالهما ، وقد تم الاعتماد على الأناشيد الوطنية السورية والعربية الشهيرة في القرن العشرين التي كانت سائدة في كل مرحلة من النضال العربي ضد الانتداب والاستعمار والصهيونية ، وتم البحث عنها وعن تسلسل تاريخها وأدرجت في موقعها وتاريخها المحدد بحيث وظِّفت بالطريقة المناسبة وتعتبر تراثاً موسيقياً قومياً هاماً ولعبت دوراً تعبيرياً مهماً في السلسلة الوثائقية .
(الله الله يا مفرج المصايب ، اضرب رصاص خلي رصاصك صايب ..) منها كانت الشرارة الأولى التي انطلقت بعدها أحداث الفيلم الوثائقي (الباشا) معلنة إيقاعه الحماسي الذي يشد المتلقي إليه منذ البداية ، وهو سيناريو وإخراج غسان شميط وإنتاج المؤسسة العامة للسينما 2013 ، وتناول حياة المناضل الكبير سلطان باشا الأطرش بإطار مشوق وإيقاع جاذب وغني بالمعلومة والوثائق إن كانت صورا ثابتة أو متحركة أو شهادات متنوعة من باحثين وأقارب ومعارف ومشايخ ورجال دين وأقرباء له ، وقد لخصت المواد الوثائقية والأرشيفية المُقدمة بشكل مكثف تاريخ حياته منذ ولادته حتى وفاته مُظهرة مراحل مفصلية من الحياة السياسية والاجتماعية والنضالية خلال الفترة التي عاش فيها ، وحفل الفيلم بالأهازيج والأشعار الغنائية إضافة إلى الموسيقا المرافقة والتي جاءت ملاصقة للبيئة ، كما عرج على معركة المزرعة (2 آب 1925) وفيها قُتِل آلاف الجنود الفرنسيين وبعدها معركة المسيفرة ومعارك أخرى سُطّرت فيها البطولات ، مؤكداً على ترافق المنحى النضالي والقتالي مع المنحى السياسي مع التشديد على فكرة الوحدة الوطنية بين أطياف الشعب ، فالثورة ضد المستعمر الفرنسي كانت في كل أرجاء سورية ، وتراوحت مشاهد الفيلم بين الملون والأسود والأبيض ، واستطاع المخرج أن ينتقل من الإطار الخاص إلى الإطار العام والحديث عن تاريخ المنطقة والنضال ضد المستعمر في سورية إن كان الاحتلال العثماني للمنطقة أو الفرنسي .