الثورة – لميس علي:
أول مشهد تظهر ضمنه “عزيزة خوخة” في مسلسل (جوقة عزيزة) إخراج تامر إسحاق، ونص السيناريست خلدون قتلان، لم يكن مجرد توطئة تعريفية بالمدعوة عزيزية التي تؤدّي دورها الممثلة نسرين طافش وحسب.. بل كان، على ما يبدو، تكثيفاً لما سيكون عليها أداء “طافش”.. واختزالاً لمرّات عديدة سيبدو فيها حضورها وصوتها ضمن ذات السياق من هيئة ونبرة.
التركيبة الاجتماعية والصيغ الفكرية التي حرص عليها الكاتب قتلان تُفرد في العمل عبر تنوّع انتماءات شخصياته التي غلب على أبرزها طابعٌ فني غنائي استعراضي..
لدرجة يمكن القول فيها إن (جوقة عزيزة) يختصر في اسمه ما سيكون عليه حال ليس جوقة وحيدة فقط تستقر في الشارع المسمى شارع المرقص بل حال ذوي الفن في ذاك الزمن العائد إلى أواخر عشرينيات القرن الماضي.
يحاول النص تقديم صيغة ما لما كانت عليه دمشق في تلك الفترة معتمداً تكريس حالة فنية كانت سائدة حينذاك..
ولا يكتفي بتصوير وضع مَن يتعاطون الفن فقط بل يجعل لهم شأناً آخر غير الفن مرتبطاً بحال البلد وشؤون السياسة..
وبهذا الخصوص ثمة رسائل مباشرة تأتي على لسان الكثير من الشخصيات تُلمّح إلى الدور التنويري الذي يلعبه الفن وإلى وجوب التغيير، حتى أصبحت كلمة “التغيير” لازمة يطربون لذكرها مراراً..
الأمر الذي يبتغي الوصول، نهايةً، إلى التأكيد على وجود طبقة فنية متعددة الأنواع كانت حاضرة وبقوة ومندمجة تماماً مع المحيط الاجتماعي الذي بدا متعايشاً معها وإن خالفت بعض أطيافه متعاطي الفن وذويه..
كل هذه الأمور يسعى النص الاشتغال عليها ضمن أسلوبية فيها شيء من الكوميديا (اللايت) الظاهرة عموماً عبر رسم شخصيات متباينة الحضور شكلاً وأداءً.. كما هو الحال مع أبناء “حمدي حمّيها” الذي يؤدّي دوره الفنان سلوم حداد، وكما عادته لا يفاجئنا بتميّزه ووضع بصمته الخاصة في الشخصية جاعلاً إياها علامة فارقة تنهض بالعمل وتكون مركز ثقله المموّه بحضور شخصية “عزيزة” البرّاق، ظاهرياً، بأسلوب استعراضي كان مبالغاً فيه ليس من حيث الغناء والرقص، إنما من حيث الأداء الذي جعل شخصية “عزيزة خوخة” سطحية لا تقنع في كثير من الأحيان.
وحتى في المشاهد الفنية الغنائية لم يكن أداء “طافش” يستحق توصيف استعراضي متقن بامتياز..
وهنا مكمن مفارقة في شخصية البطلة، فهي تستعرض أدائياً.. وبذات الوقت تتصنّع في الفقرات الغنائية الراقصة.. بمعنى لم تتقن فن الاستعراض..
وإن كان ثمة من نجاح وتميّز سجلته مشاهد الفقرات الفنية فيعود إلى الإخراج والإنتاج الذي كان سخياً تحديداً ضمنها.. ولا نعلم إن كانت ستقدّم الأفضل في مقبل الحلقات..
بالعموم، الحالة الفنية التي تأتي إطاراً عاماً تدور ضمنها معظم أحداث العمل كانت متكأ داعماً للفكرة الأساسية التي اشتغل عليها النص محاولاً تسييد بيئة متناغمة ومنفتحة فنياً.. جاعلاً حال “الانفتاح” أو الذهنيات المنفتحة فكرياً هي ذاتها الذهنيات المنفتحة فنياً.
كان من الجميل لو اشتمل النسيج الاجتماعي في العمل على شخصية أو أسرة متحررة ومنفتحة فكرياً ليست ذات مرجعية فنية أو ليست ذات خلفية فنية.. فمدينة مثل دمشق كانت ولا تزال جديرة بأن تحتوي مختلف الانتماءات والأطياف الاجتماعية والفنية والفكرية وأيضاً الدينية.