عباءة الجلاء

 

عشية عيد الجلاء نشر الأديب والباحث والمؤرخ القدير الأستاذ محمد قجة نصاً عن الكفاح الوطني لزعيم ثورة الشمال إبراهيم هنانو، «وهو إطار يتكامل ويتداخل مع الجهاد العسكري الذي رأيناه لدى يوسف العظمة، والشيخ صالح العلي، ورمضان شلاش، وحسن الخراط، وأحمد مريود، وسواهم من أبطال الوطن». النص الذي تناول جوانب غير مطروقة من سيرة هنانو الكفاحية، لم يتجاهل – أو يتستر على – «الظروف التي رافقت رحلة الزعيم هنانو إلى الجنوب قاصداً الأردن، بعد النهاية المأساوية لثورته. وقد أظهرت هذه المرحلة حوادث متباينة، بل ومتعاكسة في مسارها ونتائجها. وفي الوقت الذي كانت فيه حفنة من المرتزقة صغار النفوس تطارد الزعيم خدمةً للمستعمر الفرنسي الأحمق الحاقد، كان هناك مواطنون شرفاء احتضنوا هنانو ووفّروا له المأوى وسبيل النجاة».

الخيانة التي تعرض لها الزعيم هنانو، تعرض لها قبل ذلك بسنوات عدة شهيد معركة ميسلون يوسف العظمة، بعد أن حنثت الزعامات المحلية بوعودها ولم ترسل إلى ساح المعركة آلاف المتطوعين الذين وعدت بهم، فاقتصر الأمر على عدد يكاد لا يذكر من المتطوعين الوطنيين المخلصين، الذين قاتلوا إلى جانب القوات العسكرية التي أمكن جمعها. ورغم ذلك استطاعت تلك القوة الصغيرة غير المتجانسة أن تلحق خسائر في الجيش الفرنسي مع بداية المعركة رغم تباين القوى، وكان لها أن تفعل أكثر لولا خيانة وغدر بعض العملاء الذين كانوا عوناً لجيش العدوان، وتخاذل وانسحاب مجموعة الفرسان المتطوعين بحجة أن القنابل تخيف خيولهم (الأصيلة)..

قبل (المرتزقة صغار النفوس) الذي جرّوا عربة الجنرال الفرنسي، كان هناك عملاء في أرض المعركة، وخونة غدروا بالجنود المقاتلين وأطلقوا عليهم النار من خلف ظهورهم، وخونة آخرون استلموا السلاح للدفاع عن الوطن ولم يذهبوا إلى أرض المعركة قط، ثم تاجروا بهذا السلاح كلّ على طريقته، وتحفل مذكرات ساطع الحصري واللواء صبحي العمري والفريق تحسين الفقير وبشير الموصلي بتفاصيل وفيرة عما جرى في ميسلون، حيث جاورت البطولة والتضحية والسمو التخاذل والخيانة والدناءة،

ثمة لوحة احتضنها المتحف الحربي بدمشق عن معركة ميسلون هي أهم ما صور عنها، وتحمل توقيع الفنان الراحل عاصم زكريا الذي قاتل جده لأبيه فيها، وسمع منه الكثير عن تفاصيلها، هذه اللوحة التي تنتمي إلى المدرسة الرومانتيكية (الرومانسية) تنطلق من الرواية الشعبية السائدة التي تحوّر وقائع وتلغي غيرها لتكرّس، تشكيلياً، صورة متخيلة تبرز شجاعة وبسالة المحاربين لعدو لا نراه، فيحتل رسم يوسف العظمة قلب اللوحة شاهراً سيفه وحوله فرسان وخيول ترتفع فوقهم راية الجيش السوري، غير أن هذه اللوحة رغم أهميتها الفنية التاريخية تكرّس ذلك التصور غير الدقيق الذي روجته الرواية الشعبية عما حدث في ميسلون، فيوسف العظمة لم يكن مجرد مقاتل مستعد للتضحية بحياته في سبيل إعلاء قيمة عليا، وإنما كان قائداً عسكرياً خبيراً وقديراً قاد القوات العثمانية في معارك كبيرة حاسمة، مثله مثل الفريق عزيز المصري واللواء صبحي العمري و الفريق تحسين الفقير قائد اللواء الأول الذي خاض معركة ميسلون، والذي أخفى علم اللواء عن عيون المحتلين الساعين للحصول عليه طوال فترة الاحتلال الفرنسي إلى أن تم تسليمه إلى قيادة الجيش بعد الاستقلال بمراسم رسمية احتفالية على أعلى مستوى، وحفظ في المتحف الحربي. وكذلك العديد من الضباط العرب الذين تركوا الجيش العثماني والتحقوا بالجيوش العربية الناشئة إثر نمو النزعة العنصرية التركية ضدهم. وعلى هذا الأساس فيوسف العظمة لم يتجه إلى ميسلون منتحراً وإنما اتجه مقاوماً وضع كلّ خبرته لصدّ العدوان بعد أن جمع ما استطاع من متطوعي الجيش الذي حله الملك فيصل إذعاناً لإنذار (غورو)، والذين شكلوا القسم الأعظم من المقاتلين في ميسلون. وبين قصائد المديح في ميسلون وبطلها، تحضر في هذا المقام قصيدة عمر أبو ريشة التي تحولت إلى أهم أغنية وطنية منذ غنتها سلوى مدحت بلحن فيلمون وهبة أواخر أربعينات القرن الماضي، وخاصة البيت الذي يقول:

شـــــرفُ الوثبةِ أنْ تُرضيَ العُلا.. غُلِبَ الواثــــــــــــبُ أمْ لم يُغْلَبِ

فهذا البيت منح الشرف لا لتحقيق الإنجاز، وإنما قبل ذلك لإرادة التصدي للعدوان مهما بلغت قوة المعتدي، ليضع بالتالي مبادرة يوسف العظمة والرجال الذين قاتلوا معه في أعلى درجات القيم الإنسانية. وهو ما كان في وقائع الحدث، فيوسف العظمة كان يدرك تباين القوة بينه وبين العدو الفرنسي، وكان يعلم أنه لن ينتصر على الأرض، لكنّه كان ينشد انتصاراً أكبر يحول دون أن يُقال: إن جيش الاحتلال الفرنسي دخل سورية من دون مقاومة، وإلا لاحتلت صفحة التاريخ صورة العملاء الخونة الذين ربطوا أنفسهم مكان البغال التي جرّت عربة الجنرال الفرنسي إلى دمشق، والذي قابل فعلهم الوضيع بما يليق بهم من احتقار حين سئل وهو ينظر إليهم من نافذة بناء العابد بساحة المرجة عن سبب وجودهم بجوار البناء، فكان جوابه بأنهم ينتظرون مكافأتهم وقد أمر بأن يقدموا لهم الشعير..

المشكلة حين نتباهى بالجانب الأول، وهذا حقنا، ولا نكشف الجانب الآخر، وهذا واجبنا. فليس من الإنصاف بشيء أن تخفي عباءة بطولة يوسف العظمة والثلة القليلة العدد من المتطوعين العسكريين، والأقل منها من المتطوعين المدنيين الذين حاربوا بشرف معه، وكلّ من قاتل لتحقيق الجلاء، أن تخفي هذه العباءة تحتها، دون رغبة منها، كثيراً من المتخاذلين والخونة والعملاء الذين نسبوا أنفسهم إلى حدث مجيد هم براء منه، بل خصوم له.

إضاءات- سعد القاسم

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق