بدأ الإتجاه الفني الانطباعي الحديث في التشكيل السوري يتوضح، مع فجر الاستقلال، والارتباط بالمفاهيم الجمالية الحديثة، جعل العمل الفني يبتعد شيئاً فشيئاً عن أفقية الامتداد التسجيلي، وقيود الشكل الواقعي، وهذا أعطى الفنان القدرة على إظهار تبدلات اللون والضوء في المشهد، والتركيز على العفوية اللونية والخطية. فمجمل الرؤى التشكيلية، التي عبرت عن وهج الاستقلال أو عن موضوع الجلاء في الفن السوري، حملت مدلولات لها علاقة بالأمل، وبفرحة الاستقلال .
والانطباعية السورية مهدت لولادة الاتجاهات التعبيرية وصولاً إلى التجريدية ومروراً بكل الاتجاهات الفنية الحديثة، التي عرفها المحترف السوري في الخمسينيات والستينيات، والتشكيل السوري ساهم الى حد بعيد في التعبير عن معاني الجلاء السامية، وذلك من خلال إقامة العديد من النصب التذكارية، وتجسيد اللوحات الجدارية، التي أبرزت رموز النضال الوطني، الذي توج باستقلال سورية في السابع عشر من نيسان عام 1946.
ولقد سجل فنانونا الرواد حيوية المناخ الملحمي البطولي، وقدموا صورة حية عن مدى صلابة الإنسان السوري، وقدرته على دحر العدوان وانتزاع الحقوق وتحقيق الجلاء واستعادة حريته الممتدة في جسده وفكره ومشاعره ووجدانه.
هكذا ساهم التشكيل السوري في التعبير عن معاني الجلاء، وطمح لمسايرة وهجها وكان يهدف إلى إشاعة الأمل، وتذليل الصعاب، ولقد جنح فنانونا في اتجاههم الانطباعي والتعبيري والرمزي .. نحو الاختزال والتبسيط والتحوير بهدف الوصول إلى الإيحاء المطلوب، الشيء الذي يؤكد الهاجس الفني لدى الفنان في الوصول إلى تشكيل البعد والعمق الملتزم بربيع ووهج الاستقلال .
والذين يعرفون جوانب المسار التشكيلي والتقني لمعظم فنانينا الرواد، يدركون أنهم لم يقدموا أي تنازلات فنية، في تناولهم لموضوع الجلاء والموضوعات الوطنية الاخرى، فثمة مسافة شاسعة جداً بين رؤية اللون والتكوين والخط والتقنية والأسلوب من وجهة نظر تشكيلية بحتة، وبين رؤية الرمز أو الدلالة التي تبرزها اللوحة المرتبطة بأيام وفصول الحرب من وجهة نظر أدبية بحتة.