الملحق الثقافي: شهناز صبحي فاكوش:
أتقرئين معي سلسلة أيامي.. وفحوى ليالي.. وهواجس أحلامي.. أتشربين معي كأس هنائي وثمالة أحزاني.. أيا صغيرة عمري ودربي.. أتتصفحين طيب مثواي.. وتقلبين معي أوراق عمري.. وصفحات آلامي.. هل أحسست سكرات موتي.. وضيق أنفاسي.. ووداع حياتي..
أما كنا بين قوسين وتحت اسمينا آلاف الخطوط الملونة.. مثل بالونات الفرح العالقة بالسقف فوق رؤوسنا.. وخيوطها تتهادى بين أصابعنا.. كلما فرقع منها واحد صفقنا وعديّنا كم واحداً تمزق؛ تراه حزناً أم فرحاً. وكم بقي مثل ساعات العمر الباقي التي لا يمكن أن تحصى أو تعد.
ما عاد أحد من الموت ليحكي لنا ما بعده.. وكذا بالوناتنا.. تراها مثل قناديلنا المحشوة بضوء السراج.. لابد أن ينضب زيته فيخبو نوره ثم يغيب.. مثل نافورة بحرتنا عندما ينقطع عنها الماء فجأة.. كقصيدة شاعر تاهت منه الكلمات.. فما أكمل ما يكتب.. إنها حياتي يا حلوتي..
رحلتِ وتركتني بلا حدود ولا فرح ولا ورود.. مات النرجس بعدك فما اخترق الباب.. وغادر الشرفات.. أراه بين أيدي البائعين ذَبِلاً بلا حياة.. باهت لونه.. غادره عبقه.. ملتوياً ساقه.. كعود فاتنة تسمر بين متاهات أيامٍ تشابه أيامنا.. صارت وريقاته أسناناً تعض أيدي حامليه..
ما عاد الصباح يعانق الياسمين.. تساقط على الأرض ثملاً من ريح الوله.. داسته أقدام المارة غير عابئة برقته.. جَهَلَةٌ لا يعرفون كم هو غالٍ.. عطره بأطنان الألوف.. قطراته في ميزان الذهب.. جماله أحلى من نجوم في صفو السماء.. ترانيم غزل بضفائر السمراء جدلت بخجل..
أوتار الكمان غادرت نغمه الحنون.. مثل تراتيل الكنيسة.. وتجويد الشريف.. وأنغام الأنين وأنوار الثريا وحُداء الأصيل.. مثل صهيل الخيل بعد الفوز في مضمار سبق.. وحسن صباح صغيرٍ يناغي ابتسامته بشجن.. وجمال السعف وبلح النخيل.. مثل عتم الليل والسهر الطويل..
أيا حوراء ضاقت بوصفها حروف الأبجدية.. مثل آلاء الله في خلقه وألوان الربيع.. مثل وجوه جمَّلها الله بالحسن البديع.. بعدك صار ثوب الحياة أضيق من أيامنا.. أحلامنا.. كيف انسحبت دون وداع.. حياتنا استبيحت بعدك للموت وللذئاب.. لم نعد نهاب الموت.. صار خبز حياتنا..
كسرت قلوبنا.. صارت نهشاً للكلاب.. حاصرنا اليباس واليباب.. خوت أرواحنا تصفر بها الريح من غير شتاء.. أيا آية الشمس كم حرقت من الضياء.. لم نعد بأمر الموت نقدر على السجال.. ناحت حمامات رسائل العشق فوق نجيعك.. في هنيهات الغروب.. على الرمل الحزين..
التاريخ: الثلاثاء26-4-2022
رقم العدد :1093