بعد أن كثر الكذب، والأخبار الملفقة، والأخرى المضللة، والمزوَّرة عبر شبكة المعلومات اضطر العم (غوغل) مؤخراً إلى أن يتجه إلى خطوات مستقبلية تبحث عن الحقيقة، وموثوقيتها قبل نشرها على منصته، إذ أنه سيقوم لاحقاً بإضافة خصائص جديدة إلى محركه تتيح لمستخدمه التثبت من الأخبار الموثوقة حول ما يجري من أحداث.. فتزييف الخبر، أو المعلومة أصبح رائجاً، وشائعاً لسهولة تحقيقه عبر منافذ المواقع الإلكترونية، كما سهولة وصول أي أحد إلى ما يُنشر، ويُذاع.
ظاهرة ليست بجديدة شأنها شأن الشائعات التي تُطلق فتسري، وتنتشر فيصدقها الناس، ويتهامسون بها فيما بينهم، إلا أن الشائعة الحديثة التي طورتها الوسائل الحديثة لم تعد تسري همساً بل إن صوتها أصبح عالياً، وصورتها أكثر وضوحاً، وهي تمتد على نطاق واسع ربما لا حدود له.
وإذا كانت الإشاعات الكاذبة تفعل فعلها في التضليل، والتزييف، وتغيير القناعات، فإن الخبر غير الصحيح الذي يظهر على محرك البحث بات له تأثيره الأقوى على عموم الناس، فإذا بهم يتناقلونه في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وينقله أحدهم عن الآخر ظناً منه أنه إنما يساهم في إطلاع غيره على ما خفي عليه.
وهكذا تعم فوضى الخبر الكاذب، فلا تعود تُعرف الحقيقة أين تختبئ.. حتى أصبح أغلبنا يشك في كل ما يسمع، ويقرأ ما لم نعد إلى المصادر الحقيقية لكل ما تقع عليه الأعين، ويصل إلى الأسماع من معلومة، أو خبر يُذاع لنتأكد من حقيقته، ومدى مصداقيته، وهذا بدوره يستدعي بحثاً، وتدقيقاً قد لا يتحمس كثيرون لأن يقوموا به، فإذا بهم يستسهلون الأمر بمجرد مشاركة أخبار، ومعلومات لا تملك من مصداقيتها شيئاً.
وغالباً ما يكون أساس الخبر صحيحاً لكن ما يُنسج حوله من إضافات يجعله كاذباً بدرجة كبيرة كتلك الصورة الشهيرة لكيفية صياغة الخبر الصحفي حسب توجهات الجهة التي تبثه، وتُختصر الصورة بجندي يصوِّب بندقيته إلى رأس جندي وقع في الأسر بينما زميله يصب الماء في فم الأسير.. والجزء الذي يظهر من الصورة إذا ما اجتزأت هو الذي يبث الغاية منها، فإما هي القسوة، أو هي الرأفة، أو تجسيد الحدثين المتناقضين بآنٍ معاً.
والصحفيون، والإعلاميون أكثر مَنْ باتوا يتخوفون من الخوض في هذا المضمار حتى لا يفقدوا وظائفهم، أو تكمم أفواههم ما لم يدققوا، أو يتأكدوا من صحة ما يتفوهون به، أو يكتبونه ضمن هامش للحرية يجب ألا يتعدى حدوده.
والأمر لا يقف عند هذا الحد فقط من الدراية بالشيء من عدمه، وإنما يتجاوزه إلى تأثيره، ووقعه على الناس، وما قد يدفعهم إليه من قول، أو فعل ربما يؤثر سلباً في مجتمعاتهم، أو في دوائرهم الضيقة من علاقاتهم ببعضهم بعضاً.. بل إنها الشائعة وانعكاساتها الخطيرة، وخاصة في أوقات الأزمات كالحروب، والاضطرابات السياسية، وقد أضيفت إليها مؤخراً أزمان انتشار الأوبئة، والأمراض.
وإذا كانت الخطورة تكمن في الإشاعة المتناقلة مشافهة فكيف هو الحال مع تلك المقروءة، والمسموعة عبر الوسائل الحديثة، والمشاهدة أيضاً والتي يعززها التزييف العميق من خلال البرامج المتطورة للأفلام القصيرة التي تستبدل وجهاً بآخر، وصوتاً بغيره.. ولا نقول تأثيرها على البسطاء من الناس فالبساطة لم تعد من سمات هذا العصر المتفجر بالمعلومة، والخبر، وسبل التوعية، وأساليب التعليم.
أخبار على صورة شائعات قد يصل بعضها إلى حد الإجرام مما يستدعي معه رفع الشكاوى، أو الدعاوى القضائية ضد مَنْ أطلقها، أو حجب مواقع إلكترونية بعينها تسعى إلى نشر أفكار هدّامة، وأخبار سامة لا تمت إلى الصورة الحقيقة بشيء. والدول لا توفر جهداً في سن قوانينها الرادعة للحد مما يهدد سلامة مواطنيها، وربما أمنها القومي.
أما العم غوغل وقد أوشك على أن تنهار مصداقية أخباره على منصته فقد أعاد حساباته حتى لا يفقد شيئاً من قيمته، ولا من سمعته عندما لا يعود لديه الخبر هو اليقين، وقديماً قيل فما أصبح مثلاً مشهوراً: (عند جهينة الخبر اليقين).. فلا يعود شأنه شأن جهينة من الحقيقة في شيءٍ.
ثغرات تصبح ثقوباً كبيرة في شبكة عنكبوتية تنسج خيوطها الدقيقة المتينة، والهشة القوية بآن معاً وكأنها مظلة شفافة باتت تغلف العالم بأجمعه.
* * *