الثورة – تحليل ريم صالح:
مهما ترنحت واشنطن على حبال التدليس، والتلفيق السياسي، ومهما تلاعبت بالمصطلحات الدبلوماسية، والكلمات الإعلامية، وتحديداً كما تفعل اليوم حيال مضيق تايوان، فإن ذلك لن يغير من الحقيقة في شيء على الإطلاق، والتي تفيد بأن تايوان كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من الصين، وبأن هناك (صين واحدة فقط)، وتايوان جزء منها، وأن جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل البلاد بأكملها.
ولكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان هو لماذا كل هذه الضوضاء والصخب الهوليودي الذي تفتعله واشنطن حيال بكين؟!، ولماذا هذا العزف الفتنوي حيال تايوان؟!، وإلى أين تريد أن تصل الولايات المتحدة بحماقاتها هذه؟!، وهل ستكتفي بتأجيج أتون النزاع بين بكين وتايوان، أم أن دولاً أخرى، وأنظمة سيادية أخرى، ستكتوي بشرور أمريكا، تماماً كما جرى سابقاً حيال العراق، وأفغانستان، واليمن، وليبيا، وسورية، وفنزويلا، وروسيا، وغيرها، وصولاً إلى الصين، ليغدو الحبل على الجرار؟!.
أمريكا تحاول دائماً الاصطياد بالماء العكر، لخلق الفوضى وإشعال الحرائق بأي بلد مستهدف بأجنداتها الاستعمارية، ليتسنى لها التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، لمحاولة إضعافها وإلحاقها بركب الدول التابعة لسياساتها الفوضوية، وهو ما تفعله تجاه الصين اليوم، وتحديداً في مضيق تايوان، وتجرب من جديد خلطاتها الفتنوية، التقسيمية، الانفصالية، وتأتي مسألة إزالة موقع وزارة الخارجية الأميركية الإلكتروني في قسمه الخاص بتايوان الصياغة المتضمنة عبارتي (عدم دعم استقلال تايوان)، و(الاعتراف بموقف بكين بأن تايوان جزء من الصين)؟!، في سياق محاولات واشنطن العبثية لتغيير ورقة الحقائق الخاصة حول العلاقات الأميركية التايوانية، الأمر الذي اعتبرته بكين على لسان باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان “بأنه مجرد عمل تافه هدفه تفريغ مبدأ صين واحدة من مضمونه الحقيقي، وأن هذا النوع من التلاعب السياسي هو محاولة لتغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان وسيؤدى حتماً إلى إشعال نار ستحرق فقط الولايات المتحدة”
وزارة الخارجية الأميركية لم تكتف بذلك، وإنما أضافت صياغة أخرى بشأن (الضمانات الست) في إشارة إلى ست ضمانات أمنية قدمتها إدارة دونالد ريغان لتايوان، ورفعت عنها السرية عام 2020، ومنها أن واشنطن لم تحدد موعداً لإنهاء مبيعات الأسلحة إلى تايوان، ولم توافق على التشاور المسبق مع بكين بشأن هذه المبيعات؟!. وهذه إشارة واضحة تدل على أن الولايات المتحدة عازمة على الاستمرار في بيع الأسلحة لتايوان من أجل العمل لاحقاً على زعزعة استقرار الصين ومحاولة محاصرتها، كما تفعل اليوم تجاه روسيا من البوابة الأوكرانية.
بات واضحاً اليوم أن الهدف من وراء سياسة الاستفزاز التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه الصين هو محاولة بناء حلف ناتو جديد في منطقة المحيط الهادئ، من أجل محاصرة الصين وعرقلة تقدمها على مختلف الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية، لاسيما وأن الصين من الدول القوية الصاعدة التي ترسم إلى جانب حلفائها ملامح نظام دولي جديد يرتكز على قواعد الشرعية الدولية، خلافاً لما تسعى إليه الولايات المتحدة نحو الحفاظ على هيمنة القطب الأحادي الذي تتزعمه، ويرتكز على قانون شريعة الغاب، ليتسنى لها مواصلة التدخل في شؤون الدول الأخرى، متى اقتضت مصالحها الاستعمارية ذلك.
هي أمريكا إذن التي تثير الخراب والدمار في كل مكان تطأه، وتريق الدماء على كل أرض تصل إليها، سواء عبر إرهابييها، أو عملائها الانفصاليين، أو عبر اعتداءاتها المباشرة، أو عبر عقوباتها الجائرة، وحصاراتها الخانقة.
لكن المؤكد أن من يواصل اللعب بالنار، فلا ريب بأن هذه النار ستلتهم كل مشاريعه ومخططاته الهدامة.. وواشنطن ستدفع ثمن حماقاتها، وسياساتها الرعناء، طالما أن هناك دولاً وشعوب حرة تقف بمواجهة المشاريع الأميركية الهدامة، وتدافع بشراسة عن مصالحها واستقلالها وسيادتها.